كولومبيا وأمريكا اللاتينية: الظروف الحالية وشروط التغيير/ يوسف شوقى






ماذا نعرف عن كولومبيا؟ الارض التى سميت بهذا الاسم بعد كريستوفر كلومبس المستعمر-المستكشف الاوروبى الشهير. ربما ما يتبادر فى الاذهان مسلسل ناركوس الشهير وشخصية بابلو اسكوبار التى من الصعب ألا تحبها. 

إن كثيرا من الأرواح زهقت والدماء أريقت فى الحرب المزعومة ضد تجارة المخدرات وكيف تم تسييس تلك الحرب من قبل الولايات المتحدة الامريكية لدك حصون الجماعات اليسارية الثورية وتحجيم الاحزاب السياسية اليسارية وفرض نظام قمعى على الشعب وتآكل الحقوق الديموقراطية والتمادى فى تطبيق النظام النيوليبرالي واجندات البنك الدولى وسياسات الافقار؛ مما زاد من وتيرة العنف وانعدام الاستقرار الاجتماعى وزيادة حماس الجماعات اليسارية الثورية المسلحة للدفاع عن نفسها وعن جماهيرها ضد الجماعات المسلحة التى تمولها الطبقة الحاكمة مما اسقط المزيد من الضحايا.

منذ ايام سمعنا خبر فوز المرشح اليسارى جوستافو بيترو برئاسة الجمهورية بعد عام من وصول بيدرو كاستيلو اليسارى لرئاسة بيرو وفوز لويس أرسى بالانتخابات ببوليفيا بعد الانقلاب اليمينى الدموى ممولا من الولايات المتحدة الامريكية والذى ازاح وطارد ايفو موراليس، بالاضافة الى الهزيمة السياسية والمعنوية لخوان جويدو الذى خططت الامبريالية تعيينه رئيسا لفنزويلا بدلا من مادورو، بجانب النجاحات التى تحققها كوبا الشيوعية وزيادة قوة الحركات اليسارية اللاتينية؛ من الواضح ان هناك مدا يساريا وشعبيا فى امريكا اللاتينية؛ فبعد عقود من تطبيق النيوليبرالية وسياسات الافقار وتدمير المنظومة الاجتماعية وتجويع الشعوب وتدمير المجتمعات المحلية المكتفية ذاتيا وبيع الاراضى للشركات متعددة الجنسيات بهدف التعدين واستخراج المعادن وتدمير النظام البيئى، بالاضافة الى تصاعد الغضب الشعبى والقمع المضاد من الحكومة…الخ، بعد كل ذلك ادركت الشعوب اللاتينية عدم جدوى بل وضرر النيوليبرالية كنظام اجتماعى وعادت مرة اخرى الحركات اليسارية تناضل من اجل نظام اجتماعى جديد.

وبالطبع كولومبيا ليست استثناء ولكنها بلدا ذات مكانة خاصة فى تاريخ امريكا اللاتينية الحديث؛ حيث انها لعبت دورا رجعيا بامتياز، كما انها تعتبر معقلا للقوة اليمينية المتطرفة حيث لم يصل اى مرشح يسارى للجولة الثانية من الانتخابات الا فى الانتخابات الماضية وتلك الانتخابات. ان كولومبيا هى اول بلد طبقت النظام النيوليبرالى واول بلد عانت ومازالت تعانى من الاثار المدمرة للنيوليبرالية وكرد فعل لذلك امتلأت كولومبيا بفصائل يسارية مسلحة مختلفة التوجهات. 

بحسب التعداد القومى للزراعة فان 81% من الاراضى الكولومبية مملوكة ل1% من السكان! وحوالى مليون عائلة ريفية يعيشون فى مساحة تقل عن المساحة التى ترعى فيها البقرة. ان كولومبيا من اكثر البلدان لا مساواة فى العالم.

انعكس الاستقطاب الطبقى فى عالم السياسة حيث تم عزل الكثير من الحركات اليسارية السياسية عبر القمع وحملات التشويه والاغتيالات التى نفذتها الجماعات شبه العسكرية الموالية للطبقة الحاكمة.

ولا يقتصر الأمر على الداخل فقط بل علي العلاقات مع باقى الجيران ايضا؛ حيث ان الامبريالية قد استخدمت كولومبيا لزعزعة استقرار فنزويلا مثلا؛ ان كولومبيا هى الدولة اللاتينية الوحيدة التى انضمت الى حلف الناتو فى 2017 حيث يخول ذلك للقوات الامبريالية وخصوصا الولايات المتحدة ان تكون على حدود فنزويلا تمهيدا لغزوها.

كل ذلك الاستقطاب وضع حجر الاساس للعنف داخل وخارج كولومبيا وقد استثمرت شركات السلاح والامن الامريكية والصهيونية فى ذلك من خلال بيع الاسلحة وانظمة امن المعلومات والمستلزمات التقنية. وقد استغلت البرجوازية المحلية والطبقات الحاكمة ذلك فى زيادة ثروتها. وقد انعكس ذلك فى اطلاق الحرب على المخدرات من جهة وربطها بكوبا وفنزويلا، ومن جهة اخرى رفض الجلوس على طاولة الحوار مع الحركات اليسارية والاصرار على اعتبارهم ارهابيين وخارجين عن القانون والاصرار على انهاء العنف عبر فوز عسكرى، على الرغم من الجماعات اليسارية المسلحة هى من كانت تبادر دائما بالسلام عبر اطلاق سراح الاسرى او ايقاف اطلاق النار بدون شروط، او حل نفسها كجماعة مسلحة والدخول فى عالم السياسية كما فعلت جماعة "م19" والتى انتمى لها بيترو جوستافو. 

ان تلك التركيبة المعقدة للمجتمع الكولومبى والتى تشكلت نتيجة عقود من النيوليبرالية والنيوكولونيالية ووجود طبقة برجوازية محلية خاضعة للغرب وذات مصالح مشتركة معه، كل ذلك يمثل تحديا لاى محاولة تغيير جذرية للمجتمع الكولومبى؛ لذلك من الافضل تقييم اداء جوستافو بناء على المهام الملحة التي يجب انجازها للمجتمع الكولومبى وهى: 

  1. وضع اتفاقية سلام دائمة وملزمة لكل الاطراف وإذابة كل الجماعات المسلحة وإنشاء مجالس شعبية-قانونية لمحاكمة كل من تورط فى جرائم العنف. 

  2. تطبيق سياسات شعبية مضادة للسياسات النيوليبرالية وخصوصا فى الريف، ووضع حلول فعالة لمشكلة زراعة النباتات المُخدرة عن طريق تشجيع الفلاحين لزراعة المحاصيل الغذائية عبر زيادة ارباحهم منها، وارجاع نظام العيش التكافلى فى القرية عبر تنفيذ برنامج اصلاح زراعى وربط القرى ببعضها البعض فى نظام تعاونى يضمن التنمية الزراعية والسيادة الغذائية. 

  3. تطبيق اصلاحات سياسية تتمثل فى مزيد من حرية الرأى والديموقراطية وزيادة اشتراك المواطنين والطلاب فى السياسة.

  4. فك الارتباط تدريجيا مع الولايات المتحدة وزيادة الاعتماد على الدول اللاتينية المجاورة واصلاح العلاقات بين كولومبيا وتلك الدول. 


تلك المهام لن يكتب لها التحقيق بدون وجود تنظيم جماهيرى يضمن الحفاظ على المكتسبات وعدم الانقلاب عليها كما حدث فى كثير من دول امريكا اللاتينية؛ فى بوليفيا على سبيل المثال بسبب وجود حركة جماهيرية قوية وموحدة وهى "الحركة نحو الاشتراكية" لم يصمد الانقلاب طويلا رغم دعم كل القوى الرجعية له. فى كولومبيا يستلزم حدوث ذلك توحيد كافة الفصائل اليسارية ودخولها فى الحياة السياسية الكولومبية مع التواجد ايضا فى الريف والمناطق النائية. 

ان انتصار بيترو جوستافو ليس انتصارا نهائيا بل هو فقط البداية.



 

تعليقات