ماذا تعني هزيمة ترامب؟ / يوسف شوقي





ماذا تعني هزيمة ترامب؟ 




بعد فوز ترامب بالانتخابات الامريكية في 2016 ظهرت العديد من التنظيرات عن صعود اليمين في الغرب الرأسمالي وفاقم من الامر فوز جونسون في بريطانيا واستضاحت الرؤية انه سيكون هناك شد وجذب بين حلف اقتصادي و سياسي امريكي -بريطاني ضد اوروبا تحت قيادة المانيا. بالاضافة ايضا الي صعود حركات اليمين في فرنسا (التي توقع البعض فوز ماري لوبان فيها او ان لوبان ستأتي بعد ماكرون) وفي بلدان اوروبية عديدة بما فيها المانيا نفسها. ولكن ماذا يعني من الاساس وعموما صعود اليمين؟! 

منذ أواخر القرن التاسع عشر انتهت المرحلة الرأسمالية التنافسية لتدخل في إطار الرأسمالية الاحتكارية التي تميزت بإتحاد وثيق بين رأس المال المالي و الصناعي. كتب لينين عن تلك المرحلة مؤكدأ إرتباطها الوثيق بالامبريالية ومازلنا نعيش في اعلي مرحلة من مراحل الرأسمالية مع تغير الامبريالية من وضع قومي الي وضع معولم. و السؤال هنا متي تظهر "الفاشية" او ما يمكن تسميته بشكل اشمل "اليمين المنقذ"؟ 

يصعد اليمين كاستجابة لازمة اجتماعية شاملة متمثلة اقتصاديا في انخفاض معدل الربح الرأسمالي انخفاضا لا يمكن تعويضه " بمزيد من الامبريالية الخارجية" بالاضافة لأزمة سياسية متمثلة في تفسخ التحالف الطبقي الحاكم و انهيار هيمنته. بجانب الازمة الايديولوجيا متمثلة في انهيار المباديء والاساطير الداعمة للوضع القائم. ويصحب ذلك زيادة وتيرة الحركات التقدمية يسارية الطابع التي تطرح حلول شعبية وتقدمية للأزمة كالاجور العادلة وتوزيع عادل للفائض وزيادة سلطة العمال داخل المنشئات الانتاجية وربما تصبح الحلول اكثر ثورية لتحاول تغيير النظام الاجتماعي برمته. 

وعندما تفشل تلك الحركات التقدمية لأسباب ذاتية (استراتيجية وتكتيكية) وموضوعية، يصعد اليمين الفاشي مُمَثِلا للطبقة البرجوازية التي تخوض الازمة. فيحاول اليمين ان يصلح الامر لصالح الرأسمالية الاحتكارية ولكن بشكل شعبوي. فيُفرغ الازمة من محتواها ويقوم بعملية إزاحة Displacement فيُسقط المشكلة علي اي ظاهرة سكانية او ثقافية مثل ارجاع الازمة الي المهاجرين مثلا. ويُمثل اليمين بشكل ظاهري ، شعبوي ، غير حقيقي الطبقة  الوسطي. 

وهنا بعد ان عرفنا شروط و مظاهر اليمين المنقذ ، هل في الغرب الرأسمالي الحالي، تتحقق تلك الشروط و المظاهر؟ 

بالطبع يمر الغرب الرأسمالي بأزمة اقتصادية منذ التسعينات وكانت حرب العراق محاولة مؤقتة  لتخفيف الازمة ولكن حدث العكس ؛ فتم احراز هدف تأمين ابار البترول ولكن كان المقابل خسائر اقتصادية و سياسية خطيرة. ووصلت الازمة لمرحلة خطيرة في 2008 ، ومع ازمة فيروس كورونا المستجد زادت حدة الازمة في عدة مواقف. ووصل معدل الربح الي معدلات منخفضة للغاية. 

بالنسبة للأزمة السياسية، فالولايات المتحدة تعاني منذ حرب العراق من تراجع في هيمنتها علي العالم واستهلاك موارد باهظة في حروبها، مما ادي الي نزوع ترامب الي خفض تلك التدخلات و حصر التدخل فقط للمواقف الضرورية للغاية مثل التهديد للتدخل في فينزويلا او ايران. وفي البلدان الغربية ذاتها تعاني الحوكمة الليبرالية الديموقراطية من مشكلة عميقة متمثلة في ابتذال معني الديموقراطية وتركيزها في النوع التمثيلي منها فقط. و تزايدت حدة عدم ثقة الشعب في تلك الحوكمة. 

بالنسبة للأزمة الايديولوجيا، فالقيم الديموقراطية الليبرالية تثبت فشلها يوما بعد يوم من تطبيقها القسري علي دول العالم الثالث في إطار دفعها نحو الانفتاح الاقتصادي (والذي يبوء بالفشل لأسباب متعددة اهمها ان تلك المشروعات غير شعبية بالمرة) الي فشل تلك المنظومة القيمية في الغرب في تحقيق السعادة المنشودة. 

بالاضافة الي الايديولوجيا النيوليبرالية التي تعمل علي تأجيج الصراعات الدينية و العرقية. 

وبالنسبة للمظاهر التي تؤشر علي صعود اليمين فنجد انها متوفرة الي حد كبير، فترامب يخبرنا بأنه رئيس للفلاحين و العمال!. و تنتشر النزعة القومية اليمينية مرة اخري، بالاضافة الي معاداة المهاجرين. وتزداد الجرائم العنصرية يوما بعد يوم. 

والسؤال هنا من يمثل اليمين الصاعد الأن؟ 

في الحقبة ما قبل العولمة كان اليمين يمثل "بشكل حقيقي" الرأسمالية الاحتكارية الكبيرة التي كانت مازالت ترتبط بال"دولة-الامة" Nation state. ذلك الارتباط كان بنيويا الي حد كبير؛ فنجد ان القوانين والقواعد المنظمة للاقتصاد كانت ترتبط بنطاق الامة. كما ان دورات الانتاج الاقتصادي كانت ترتبط بشكل عميق بالدورات الاقتصادية للدولة، كدفع المرتبات والعلوات والاجازات الرسمية..الخ. بالاضافة الي ذلك كانت الرأسمالية الصناعية هي السائدة وليس الرأسمالية المالية. والاولي تحتاج بالطبع الي تنظيم و سياق محدد للعمل فيه. بكلمة واحدة كانت الرأسمالية "دولتية" Statism. وبالتالي عندما صعدت الفاشية، صعدت في سياق سهل عليها اداء مهامها الانقاذية، فتحولت الدولتية الي دولتية مفرطة. فالانقاذ قد أتي في سياق قومي ليمثل رأس المال الاحتكاري ذا الطابع القومي. 

ولكن في عصرنا هذا؛ عصر العولمة حيث خرج رأس المال من السياق القومي وبالطبع انفصلت الدورة الاقتصادية المعولمة بكل تعقيداتها عن السياق القومي. وساد رأس المال المالي. في الواقع تحتاج الرأسمالية الاحتكارية العالمية المتأزمة الي حل في نفس حجمها ونفس مستوي تعقيداتها، اي تحتاج الي حل عالمي. 

اليمين المنقذ لا يستطيع تقديم حلول الا حلول قومية وبالتالي يقتصر تمثيله في تلك الحقبة علي الرأسمال الذي ليس كبيرا لدرجة الخروج خارج سياق الدولة-الامة. و بشكل عام يوجد تعارض مع تلك الشرائح الرأسمالية الصغيرة، ومشروع العولمة الذي تقوده الرأسمالية الكبيرة التي تستحوذ علي السوق و تسيطر عليه ولديها تكاليف انتاجية قليلة نسبيا. فالإجراءات الحمائية (بمختلف أنواعها) التي يتم الترويج لها من قبل اليمين تتعارض مع مشروع العولمة. 

وحتي لو نجح مشروع يميني متطرف في بلد غربي سيتم إسقاطه من قبل النظام العالمي كما حدث في الحرب العالمية الثانية، فاليمين عندما يفشل في إدارة الازمة يتجه الي العنف الذي يتم دحره بقوة. 

هكذا يجب ان نفهم صعود ترامب وسقوطه. كان الصعود إستجابة للأزمة ولكن استجابة غير كافية. الادارة الامريكية الجديدة اكثر تماهيا او تفاهما مع النظام العالمي. ولذلك ستشارك في الحل العالمي للأزمة. 

فوز بايدن وهزيمة ترامب لا يدل ابدا علي نجاح اي تحالف تقدمي كما يظن بعض اليساريين الليبراليين. 

اعتقد البعض ان صعود ترامب سينتج عنه حركة يسارية مضادة وحدث ذلك بالفعل في صعود بيرني ساندرز ولكن هُزِمت تلك الحركة. في النهاية يؤدي بايدن نفس وظيفة ترامب و لكن بشكل اكثر تفاهما وعقلانية. 

تعليقات