راستا في فلسطين. بقلم/ كريبسو ديالو





"بنجامين زافنايا" شاعر من أصول أفرو- كاريبية ولد في جامايكا عام 1955 وعائلته هاجرت الي المملكة المتحدة في السابعة من عمره...تفتح وعيه علي حياة مليئة بالبوئس والتناقض...اعتنق الديانة الراستافارية وهو في سن الثامنة عشر...استطاع ان يفرض موهبته علي المجتمع البريطاني عبر الشعر، الموسيقي، المسرح. كان يعتمد شعره علي الايقاع اللغوي الخاص بخلفيته الثقافية...منحته جامعة "كامبريدج" جائزة الشعر لعام 1986 وذهب بقصائده الي الاتحاد السوفيتي، إيطاليا، ألمانيا، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، اسبانيا، كوبا،مصر، السودان، لبنان، الاْردن، جنوب افريقيا، فلسطين والعديد من الدول الآخري.

في ريعان شبابه كان "بنجامين" غارقا في العديد من القضاياة المحلية والعالمية كبريطاني (أسود) متناولا التميز الاجتماعي الذي كان يمارس ضد "الافارقة" في القارة والشتات (الدياسبورا)...في فترة نشأته أحب الموسيقي والشعر، لكنه لم يكن يواظب علي حضور دروس الشعر في المدرسة. لماذا؟ لانها دائما كانت حول الزهور، حول الأحلام الوردية فقط. كان بإمكان "بنجامين" أن يقول أشياء شبيهة لما كانوا يدرسوها له. ولكنه هرب من الواقع المزيف، والتفت الي واقعه. كتب أشياء تعني بحياة الشعوب وقضايهم. حارب منذ صغر سنه "الجبهة الوطنية" يمينية النزعة التي يشبه تأسيسها بشكل كبير مع منظمة تفوق العرق الأبيض الامريكية "كوكلس كلان"...جابه الفقر والسجن والعنصرية بقلمه.

في عام 1986 رأي في التلفاز أطفال ونساء وعجائز فلسطين يقذفون الجنود الاسرائليين بالحجارة تعزز لديه شعور يشابه نضال السود في جنوب افريقيا ضد سياسات الفصل العنصري في ذلك الوقت، بدأ اهتمامه يأخذ شكلا جديدا للتضامن مع القضية الفلسطينية. لقد اصر قراءة تاريخ الصراع الفلسطيني / الصهيوني وعلي الالتقاء بمثقفيين من  الشرق الأوسط وشمال افريقيا ( وفلسطين بشكل خاص) ليبدأ بعد ذلك رحلته الذي أخذته من احياء شرق لندن المتوترة بقضايها الاجتماعية ليذهب ويزور مصر والأردن وتونس والسودان ثم فلسطين ويخرج الي العالم بالعديد من القصائد، المقالات، والندوات، وكتاب ناقش فيه رحلته الي الاراضي المحتلة يحمل آسم (راستا في فلسطين) أو Benjamin Zephaniah

Rasta Time in Palestine



قبل ان يذهب الي فلسطين متخفيا في دور السائح، لا الشاعر، كان يقول للنخب الثقافية العربية في لندن بأنه مصر علي الموضوعية وعلي عدم التأثر الفكري بآراء احد، وعندما عاد من رحلته قال انه يتمني يحمل السلاح ويحارب بيده الكيان الصهيوني لانه اقتنع بالذي شاهده بان لا مكان للموضوعية أو الديمقراطية أو الحرية في دولة عنصرية كإسرائيل.

سوف أترجم بعض المقاطع من كتاب "راستا في فلسطين" حول انطباعات "بنجامين زافنايا" عن زيارته التي قام بها في الاراضي المحتلة عام 1987.  :

(الشعب الفلسطيني)

" انهم أناس قذرون، بيوتهم قذرة، حيواناتهم قذرة، اجسادهم قذرة، لا تثق بهم لأنهم سوف يستولون علي اي شئ تملكه" 

هذه هي الكلمات التي خاطبني بها الجندي الاسرائيلي عندما رحب بي في الاراضي المحتلة، تساءلت عما اذا كان جادا في قوله، وهل أخبئ نقودي في ملابسي "الداخلية" وهل أخفي كاميرتي، وهل علي ان أكون  مستعدا للمشاجرة باستمرار ؟؟ هذه الأفكار أهملتها الي حدا ما، ولم أبدي اهتماما بتلك الاحتمالات كثيرا  لان الفلسطينين الذين يعيشون في لندن يبدون لي أناس طيبون. لكن قررت ان اتوخي الحذر بعد حديث الجندي الاسرائيلي. رغم اني لا اصدق أبدا الاشخاص الذين يرتدون الأزياء العسكرية.
 
الحقيقة ظهرت عندما زرت عدة مناطق ورأيت كيف كان يعاملوني الفلسطينين وكأنني شخص منهم واستضافوني في منازلهم لعدة ايام... وعلي غرار ادعاءات الجندي الاسرائيلي فالشعب الفلسطيني كان موسوس بالنظافة، رغم ان البقاء بنظافة هو امر في غاية الصعوبة تحت تلك الظروف الغير طبيعية التي أرغموا العيش فيها.

عندما وصلت الي إحدي المدن التي كان مقررا ان ابقي فيها، قمت بعمل اتصال مع الشخص المكلف بالترجمة وإمدادي بالمعلومات. كان الشئ الأول الذي فعله هو إيجاد مكان أقيم فيه. وقد قام بطريقة سهلة للغاية حيث وقف علي رصيف الشارع وطلب من المشاة غرفة او مكان لإقامتي كضيف، اول شخصيين لم يكن لديهن مكان واعتذرا بشدا عن ذلك، وبخجل شديد، وكلاهما طلب مني ان أزوره في منزله، واشاركهم الطعام والوجبات متي أردت، اما الشخص الثالث فقد قال لنا "ما في مشكلة" كان لديه غرفة مكثت معه ومع عائلته لمدة أسبوع. ومع هذه العائلة وأشخاص اخرين، قابلت دائما الموقف نفسه ان فكرة ان اقدم مقابل مادي لخدماتهم، وان اصرف نقودي غير مقبولة، ومن العيب ان أقيم في فنادق أو ان أكل في مطاعم وانا ضيف في بلدهم.

كل فلسطيني قابلته كانت لديه قصة ليروها من حياته وكل فلسطيني يصرخ لكي يصل صوته الي العالم حيث لا أحد يسمعه. ومع ذلك فهم أناس كرماء ولطفاء بحيث يستقبلون ويسمعون الجميع بمودة شديدة، كانوا يستخدمون كلمة "أهلين" اكثر مما كان البريطانيون يقولوا هالو أو تفضل، قلوبهم وضمائرهم مفتوحة ومستعدون للقتال، ولكنهم ايضا، مستعدون للاستماع والتعلم. لقد علموني الكثير. إن هؤلاء الناس يستحقون وطنهم ولكن لعل هناك دول اخري في ذلك الكون يغنيها القلق من مبادئ هؤلاء الناس والمثال الذي يصنعونه لبقية الشعوب في هذا العالم.

(الجنود)
فلسطيني اخبرني في الاْردن بإن لا ادعو أي مواطن إسرائيلي أبدا بصفة المدني. (انهم كلهم جنود) اصر علي ذلك، وهذا الشئ تعلمت ان افهمه. الاسرائليون ألقوا الي بتعليقات مماثلة عن ذلك ايضا. وهكذا فإنني عندما أشير الي الجنود، أؤكد إنني اتحدث عن أولئك الذين يرتدون الزي العسكري. ولكن في الاراضي المحتلة الوضع اختلف. انه كان لمثير للغرابة ان تري كل هذا الكم البشري بالزي العسكري من الجنسيين (رجال&نساء) . في الليل كنت اري الشباب يتعانق ويتبادل القبل وهو جالس علي الجدران أو في النهار نساء يتبضعن مع أطفالهن، والبنادق علي ظهورهن. كان هذا المنظر غريب للغاية. وعاجلا ما تعلمت في الاراضي المحتلة، علي ان اخرس صوتي عن الكلام، وأن أخبئ آلة التصوير (التي كانت صغيرة للغاية) وان هذا التصرف يكفل لي ان أعامل كمواطن فلسطيني علي يد الاحتلال.

وقد كان هذا الشئ هو الذي جعلني افهم كيف هي الحياة تحت الاحتلال، من يوم بعد يوم، في غزة كان من المستحيل ان امشي في الشوارع، لكن ذلك كان ممكنآ في بعض المناطق في الضفة الغربية، عندما كان السياح الأجانب ورجال الصحافة ينعمون بالنوم في طمأنينة وأمان في فندق "كولونيل" الامريكي, يوم تلو الآخر كنت اكتشف مرارة العيش تحت نير الإحتلال الصهيوني. فعلي سبيل المثال عندما قررت مجموعة من الجنود الاسرائليين تسلية أنفسهم بالبصق علي وجهي ومنادتي بالزنجي المنبوذ، وقفت صامدا وحولي دائرة من الثقة بالنفس تحيطني. كنت اعلم أن لدي من القوة ما سيرسلهم فارين وبنادقهم بين سيقانهم. كل ما كان علي عمله هو ان أريهم جواز سفري البريطاني في التوقيت الصحيح. هؤلاء الجنود يتخذوا الأوامر ان يبدو لطفاء وودودين مع السياح والصحفيين "الأمريكان والأوروبيين"، لكن غير لطفاء نهائي مع الفلسطينيين والعرب واصحاب البشرة السوداء.

ومن المثير للسخرية ان معظم الجنود الاسرائليين كانوا يقضون وقت فراغهم ليستمعوا الي الموسيقي العربية بما فيها الموسيقي الفلسطينية وموسيقي الهيب هوب والريجي.

أن تعرف كيف تلعب دور الجندي هو من ضمن النظام التعليمي المدرسي للإسرائليين. وبالطبع فان كل شاب أو فتاة سوف يكون عليه/ا اداء الخدمة العسكرية، وان كان هناك قلة ممن يحتج ضد اداء الخدمة العسكرية، او الاحتلال.

(الليلة الأولي في القدس)

فلسطيني "عاجز جسديآ" جالس علي الارض ذراعاه قصيرتان، ويداه ملتويتان. أمامه جندي إسرائيلي كان يحاول إجباره علي تناول عضوه الجنسي بفمه.

وقفت مذهولا وانا اري ذلك المشهد المريع، بدأت اقترب كي أتأكد من صحة الموقف. وهنا دار الجندي واتجه صوبي كان يتحدث بصوت عالي ويضحك لم افهم ما الذي كان يقوله بالظبط!! ولكني ادركت انه كان يقصد ان يقول لي ( هل تريد ان تجرب) ؟؟

حاولت ان أريه جواز سفري، عندما رأه، دفع بيدي جانبآ،وسحب بنطلونه الي الاعلي. وولي راكضا الي شوارع القدس القديمة.

(الانتفاضة الأولي) 

كان علي ان ابكر في الصحيان هذا الصباح. كل شئ كان يجب أن يبدأ مبكرا لان الساعة 12 ظهرآ هو موعد الإضراب العام الذي كان مقررا ان يشارك فيه كل فلسطيني...حتي عرب 48 كان يمضون في الإضراب العام...الجنود الإسرائيلين كانوا منتشرين في الشوارع والأزقة مدججيين بالاسلحة..كان الجو مشحون بالتوتر...كان معي 5 فلسطينين في عربة الأجرة يتناقشون بالغة العربية. حول المشاركة في هذا الحدث الثوري...عندما ادار صاحب العربة الراديو لنستمع الي محطة ال ( ب ، ب ، سي) البريطانية

الخبر الاول كان عن قتل طفل فلسطيني وإصابة العشرات من الجرحي وان القوات الإسرائيلية فرضت حظر التجول في جميع المناطق وان علي جميع الصحفيين أن يتبعوا التعليمات بمغادرة مناطق التظاهرات.وكل الطرق المؤدية الي غزة تم اغلاقها ولا احد يستطيع الدخول أو المغادرة. وفيما كان تأتي الأخبار عبر المذياع كنّا نستطيع ان نري أمامنا الطرق مقفلة تماما وتم ايقافنا، وكالعادة تم تفتيشنا وجميع الحقائب وكان علينا ان نريهم بطاقات هويتنا. حدث ذلك بهدوء ولم يتحدث اي منا بعد التفتيش سمحوا لنا بالبقاء في السيارة لمدة 10 دقائق لسبب ما. بينما تمت اعادة الكثير من السيارات الي حيث ما جاءت. جندي شاب جاء الي سيارتنا وصرخ كالمجنون في وجهي : "ما الذي تفعله في فلسطين ؟؟ ولماذا تريد الذهاب الي غرة؟؟"..حاولت ان اخدعه بقولي انني رجل اصلاحي وإني انتظرت طوال عمري كي اشاهد الديار المقدسة. ذهب وتحدث مع الجنود الآخرين واظن انهم شعروا بالاسي من اجلي وسمحوا لي بالدخول "ماشيآ" علي قدمي.

الركاب الآخرون أمروا بالعودة من حيث ما أتوا، فقد اكملت الطريق مشيآ علي الأقدام ولم تصدق عيناي ما رأتاه هناك في غزة، ذكرتني بالصور التي كنت قد رايتها لمخيمات التعذيب النازية. البعض قد يعارض ذلك ويقول ان هناك اختلافات وفورقات كثيرة، الذي لاحظته مدي التقارب لا الاختلافات، الأسوار الضخمة، الأسلحة المدججة، كلاب البوليس،.مستشفي الشفاء في غزة شاهدت بداخلها اسوء المناظر في حياتي، كان هناك طبيبان فقط يعملان بدون توقف لمدة 3 ايام ولأنني لم أكن صحفيا فقد تعجبت من تعاونهم معي ومساعدتي كي اشاهد المستشفي وأتجول فيها لأشاهد الجروح، الحروق، رصاص منثور في الاجساد، أعضاء بشرية منفصلة عن بعضها. واندهشت ايضا من بشجاعة ومثابرة المصابيين الذين كانوا متشوقين لإخباري بقصصهم النضالية وأنهم يتمنوا الشفاء باقصي سرعة للعودة الي ميدان الكفاح...انا استمعت الي جميع ما قالوه، القصة التي بقيت معي وأثرت في بشدة، قصتها  لي ام احد الضحاياة الذي كان في حالة إغماء شديدة. ابنها عمره 12 عام دهسته سيارة جيب تقودها مستوطنة إسرائيلية، بعد ان دهسته ارجعت العربة الي خلف علي اقدامه ثم قادت السيارة الي الامام لتدوس عليه وتكسر ما تبقي من سيقانه للمرة الثالثة، هذا الطفل لن يمشي مرة اخري.انها لمأساة ان نقف مكتوفي الايدي امام هذه الانتهاكات الدموية التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني.
 
"أبيات وداع الارض المحتلة"

كتبت هذه الأبيات وانا علي سلم الطائرة مستعد للرحيل من الاراضي المحتلة ؛

كأفريقي ذهبت الي فلسطين. 
وتهت في الضفة الغربية.
وكأفريقي فلسطين تهمني.
كأفريقي رقصت علي دقات طبول نيكاراجوا.
كأفريقي لم احتفل بمرور مائتي عام علي ولادة استراليا.
كأفريقي ضربتني رصاصة بلاستيكية في شمال ايرلندا.
كأفريقي كنت امرأة في عالم الرجال..
وذبابة علي سور الصين العظيم.
وعامل منجم في ويلز.
وهيبي مؤمن بالسلام.
وطفل لاجئ.
وفلاح أو طفل لَقيط.
كنت كل ذلك ومازلت أفريقي اتمني أن تتحرر فلسطين.

بعد المصادر واللقاءات، المقالات، بيوت الشعر الخاصة بفلسطين. : https://books.google.com.eg/books/about/Rasta_Time_in_Palestine.html?id=pvMvAQAAIAAJ&redir_esc=y

https://youtu.be/hoQztCV5NQo

https://youtu.be/tGKajHdtDVY

https://youtu.be/zh3XB91Fn2Y

https://www.iambirmingham.co.uk/2019/05/07/birmingham-poet-benjamin-zephaniah-backs-national-demonstration-for-palestine/




تعليقات