من دفع ومن سوف يدفع ثمن الجائحة. بقلم / كريبسو ديالو





مع احتدام جائحة الفيروس التاجي covid 19، انتشر في العالم مقولة : "الفيروس لا يميز بين الأغنياء والفقراء على حد سواء ، نحن جميعا نواجه نفس المصير".  ومع ذلك ، فإن الحقيقة تكمن في أن الطبقات البرجوازية ، التي تتمتع بسلامة نسبية ، تتوقع من العمال أن يخاطروا بالعدوى للحفاظ على الأرباح المتدفقة. يكشف هذا الفيروس عن الطبيعة الفاسدة والقاسية للنظام الرأسمالي، حيث تكون الأرباح وليس حياة الإنسان هي لها الأولوية.

العديد من الحكومات حول العالم قد تعرضت لضغوط هائلة من طرف رجال الأعمال. ليقولوا: إذا نحن أوقفنا الإنتاج سوف نخسر المليارات وسينهار سوق الأسهم أيضا" وبهذه الكلمات لقد أدت مناورات الحكومة ومحاولات الرأسماليين الوقحة للحفاظ على استمرار الإنتاج غير الضروري إلى فتح أعين ملايين الناس حول العالم على الطبيعة الحقيقية للنظام النيوليبرالي الذي نعيش فيه.

منذ انتشار فيروس كورونا هناك فئة من الطبقة العاملة والطبقة الوسطي تدفع ثمنا كبيرا جدا، وهم أولئك الذين يعملون في الصناعات التي تعتبر ضرورية، مثل إنتاج الغذاء أو صناعة الأدوية. ثم عمال المستشفيات من أطباء وممرضين وعمال النظافة وعمال الاسعاف، إنهم الفئة المهددة أكثر بالإصابة بالعدوى، وقد مات الكثير منهم بشكل مأساوي وهم يقومون بعملهم. حتى الآن تم تسجيل آلاف الوفيات بين العاملين في القطاع الطبي. وكانت هناك حالات انتحار بين الممرضين الذين لم يعد بإمكانهم تحمل الضغط الرهيب الذي يتعرضون له.

وسط تحذيرات متزايدة من منظمة الصحة العالمية أن قسمًا كبيرًا من سكان العالم يمكن أن يصابوا في وباء الفيروس التاجي المميت، تعاملت النخب الحاكمة في الغرب مع بداية الأزمة باستخفاف وعند بلوغ ذروتها بلا مبالاة ، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي كانت تتميز خطبه بقدر من الجهل وكراهية الأجانب واللامبالاة الكاملة بالحياة البشرية.

لم يتحمل ترامب أي مسؤولية عن التقاعس والفوضى اللذان ميزت استجابة إدارته للأزمة. وبدلاً من ذلك ، قدم رد الفعل الأمريكي الفاشل الذي ينظر إليه حول العالم على أنه قمة العار بعد أن اقتربت الإصابات في امريكا الي نصف مليون وعدد الوفيات تتجاوز العشرين ألف، باعتباره "الأفضل في أي مكان في العالم".

السبب الذي جعل الأزمة تتفاقم في امريكا، تعامل ترامب مع الوباء كما لو كان غزوًا أجنبيًا.  ووصف المرض بأنه "فيروس صيني" ولم يقرر تفعيل أي إجراءات من شأنها أن تعمل على إبطاء انتشار المرض وتخفيف آثاره.  ولم يصرح بأي تمويل لتوسيع المستشفيات أو زيادة الموارد المتاحة للاختبار ، أو حتى توفير أبسط معدات الحماية للعاملين الطبيين في المقدمة. وبدلاً من ذلك ، أعلن عن قروض بقيمة 50 مليار دولار للشركات وحث الكونجرس على تبني تخفيضات ضريبية موالية للشركات: التدابير التي لم تفعل أي شيء لوقف انتشار المرض أو مساعدة العمال المتضررين منه.

كشف الوباء على الفور حقیقة الانقسام الطبقي الصارخ في نظام الرعاية الصحیة الأميركیة. الطبقة البرجوازية والشرائح العليا من الطبقي الوسطي الذي لديهم تغطية صحية والذين يمكنهم أيضاً العمل أو التدريس من المنزل بشكل مريح، كانوا في مأمن من الإصابة. و موظفي القطاع العام ، فعلیهم اتخاذ خیارات صعبة بین استمرار مزاولة مهنهم، وتعريض أنفسهم للخطر أو البقاء في المنزل من أجل سلامتهم، أما الملايین من عمال الخدمات، ذوي الأجور المتدنیة، وعمال المزارع، والعاطلين من العمل والمشردين، فتتركهم الدولة للفيروس، غیر مكترثة بهم.  إن 45 % من القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية محرومة حالیاً من الرعاية الطبية، ومخيّرة بين التعرض للوباء ونشره، أو الموت جوعاً. كما رفضت 15 ولاية التصديق على مرسوم يوسع قاعدة المساعدة الطبية على العاملين الفقراء.

وباء كورونا اتخذ مساراً مختلفاً، وأشد فتكاً في الأحیاء الفقیرة الكثیفة التي يسكن فيها السود لديها عدد أقل من الأطباء ومستشفيات ذات خدمات أقل جودة، كما أن التغطية الصحية للوظائف الخدمية أقل من غيرها من الوظائف ذات الأجور الأفضل. وهي ظاهرة موثقة تاريخيا، حيث يتم وصف فحوصات وأدوية للسود أقل من البيض في الولايات المتحدة الأمريكية.

بلغ عدد الأميركيين من أصول أفريقية العام الماضي 44 مليونا، أي 13.4% من سكان البلاد طبقا لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي، ويعيش 20% من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية تحت خط الفقر، في حين تبلغ النسبة 10% فقط في صفوف الأميركيين البيض.

ويسكن أغلبية الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية بمناطق تتميز بانخفاض القيمة الإيجارية للشقق والبيوت فيها، ما ينتج عنه ضعف الإيرادات الضرائبية للسلطات المحلية، وبالتالي ينعكس ذلك على مستوى الخدمات الصحية المقدمة، فمناطق الأميركيين الأفارقة تعاني من قلة المستشفيات والأطباء، وضعف مستوى الوحدات الصحية الموجودة.

كما أن التباعد الاجتماعي المفروض لمواجهة انتشار كورونا هو أمر أكثر تعقيدا في الأحياء الفقيرة للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، حيث تكون مساحة المنازل أصغر والكثافة السكانية أكبر، ويعرف عن هذه الفئة ظاهرة سكن العائلة الممتدة، إذ يسكن الأجداد مع الأبناء والأحفاد في حالات كثيرة.

محطات مترو الأنفاق في مناطق الأميركيين البيض شبه فارغة من الركاب، في حين الصورة معاكسة في مناطق الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية وهذا ليس اهمال منهم ولكن بسبب خوفهم من فقد وظائفهم.

وتزيد طبيعة وظائف الكثير من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية من احتمال تعرضهم لفيروس كورونا، إذ يمثلون نسبة كبيرة من هيئات التمريض، عمال الأغذية وسائقي الحافلات، والميكانيكيين، وعمال المصانع، وعمال نقل البضائع وغيرها.

استدعى انتشار فيروس كورونا بنسب مرتفعة في صفوف الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية ذكريات أليمة في أذهان الملايين من هذه الفئة المجتمعية، ترتبط بكونها في مقدمة ضحايا الكوارث التي تحل بالولايات المتحدة،  مثل إعصار كاترينا 2005 الذي ضرب مدينة "نيو أورليانز" الأمريكية، وأغرق مبانيها، وأسفر عن أضرار بشرية تبلغ أكثر 2000 قتيل ومادية كارثية تخطت أكثر من 108 مليار دولار....ماذا فعل جورج بوش وحكومته وهم كانوا علي علم من اقتراب تلك الكارثة الطبيعية التي سوف تضرب المدينة والمناطق المحيطة بها؟ الإجابة هي أنهم استخدموا اساليب تعامل السوق الحر. فلقد أعلنت الحكومة أن على كل شخص أن يخلي مكانه بمعرفته. بوسائله الخاصة، بالضبط كما تمليه قوانين السوق الحر، نسبة 70 % من سكان نيو اورليانز الذين هم من السود وأكثرهم يعيشون تحت خط الفقر  لم يتمكنوا من الفرار من وجه الاعصار لانهم لم يكن يملكوا سيارات او اموالا يدفعونها للفنادق من الاجل الاحتماء بداخلها. وظهروا في صور أشبه بمنكوبي دول العالم الثالث النامية في حالة يرثي لها من الإعياء والبؤس بدون مأوى و لا مأكل و لا ماء صالح للشرب، الالاف محاصرون بالمياه الآسنة حيث تطفوا جثث لاطفال وكبار سن وحيوانات متحللة لقوا حتفهم بسبب الاجتفاف...وجماهير جائعة تصرخ: "نريد المساعدة، نريد الطعام! وأصوات محطمة تتذرع" : هل سوف تتركنا الحكومة نموت هنا؟؟ للاسف لم يكن البحث عن بشر احياء و مدهم بالماء و الغذاء والدواء، من أولويات قوات الوكالة الفيدرالية  لادارة الكوارث. بل الأولوية أعطيت لحماية المحلات التجارية الكبرى من قبيل GAP و A Biloxi. والشركات والفنادق. وسائل الإعلام الامريكية في ذلك الوقت كانت تحاول صرف الانتباه عن الازمة الانسانية التي سببها الاعصار عبر تسليطها الأضواء على ما تسميه:" عصابات اللصوص". وكانت تستعمل لغة عنصرية كريهة، من أجل إخفاء العمق الطبقي للقضية وتدعي ان المساعدات لا تصل  بسبب "أعمال العنف و النهب"... هذه الادعاءات اغلبها غير صحيحة لان أغلبية المشاركين في عمليات "النهب" كان ياخذون احتياجتهم الغذائية والطيبية التي كانوا بحاجة اليها لكي يظلوا على قيد الحياة. صحيح كان هناك اعمال واشتباكات ولكن اغلبها كانت من أجل السيطرة على الشواحن بهدف استعمالها لمغادرة الجحيم الذي تشكله هذه المدينة وهذه الصراعات اليائسة من أجل البقاء تذكرنا بأفلام ال postapocalyptic. التي تعطينا صورة عما يمكن أن يصير عليه العالم إذا لم يتم القضاء على النظام الرأسمالي.لو أن برامج الإخلاء من المدينة وضعت في حسبانها ترحيل جميع السكان الفقراء قبل مرور الإعصار لكانت الخسائر البشرية أقل... لقد كان في إمكان الحكومة الامريكية التي استطاعت أن تنقل مئات الآلاف من الجنود و ملايين الأطنان من المعدات العسكرية إلى أي جزء من هذا الكوكب أن ترحل من المدينة هؤلاء المساكين بدل احتشادهم كالحيوانات في الملاعب، بدون توفير ما يكفيهم من الغذاء و المياه و الأدوية. كان من الواجب عليها ايضا كحكومة تحترم حقوق الانسان كما تدعي عالميا، تقوية الأسوار المضادة للأمواج، المحيطة بنيو أورليانز. لقد كانت السلطات تعلم منذ عقود أن إعصارا بهذا الحجم سوف يضرب حتما سواحل "نيو أورليانز" وكانت تعلم ايضا أن نظام الأسوار المضادة للأمواج المتوفر غير كاف. وبالفعل قد تم تخصيص بعض الاعتمادات علي يد هيئة مهندسي الجيش الأمريكي عام 1999 و كان قد بدأ الشروع في عمل اسوار بديلة ولكن لعب السوق الحر دوره في أجندة جورج بوش التي كانت تخفض الخدمات الحكومية الى أقصى الحدود من أجل ان تعتمد الجماهير على القطاع الخاص. لذلك استقطع بوش 71.2 مليون من ميزانية هيئة نيو أورليانز للمهندسين، بنسبة تخفيض بلغت 44%. وذلك كان السبب الذي جعل وضع خطط تدعيم سدود وخطط تطوير نظام الشفط للمياه "نيو أورليانز" على الأرفف. وحكومة بوش غيرت اتجاه تلك المبالغ لتمويل " الأمن الداخلي" والحرب في العراق...اما بالنسبة لعمليات الإنقاذ، فيعجب أنصار السوق الحر القول بأن الإغاثة لمن هم أقل حظا من بيننا يجب أن تترك في ايدي الجمعيات الخيرية الخاصة لقد كان ذلك هو صوت الوعظ الأخلاقي المفضل للرئيس رونالد ريجان بأن "الجمعيات الخيرية تستطيع أن تقوم بالبديل الحكومي في بعض الازامات". من المفارقات ان النخب الحاكمة في الولايات المتحدة في امكانها في يوم واحد ايجاد ملايين الدولارات من أجل احتلال دول و نهبها لكن عندما يتعلق الأمر بإنقاذ آلاف الأمريكيين الفقراء، تجدهم يدعون إلى جمع الصدقات. هذه هي الحقيقة البشعة للنظام الرأسمالي المستر بالسوق الحر. ولهذا في "نيو أورليانز" لم تكن الحكومة الفدرالية موجودة بأي حال على مرمى البصر في بديات الاعصار ولكن الصليب الأحمر كان هو الذي بدأ العمل. كانت رسالته: "لا ترسل بطعام ولا ببطاطين؛ ارسلوا نقود". في نفس الأثناء "بات روبرتسون" القس المعمداني المتطرف الداعم لسياسات "جورج بوش" دعي لحملة واطلق عليها "العملية المباركة" التي تكونت من شحنات تم الدعاية لها بشدة ولكنها كانت شحنات من الأناجيل وليس الادوية أو الاطعمة !!! وحينها دارت الكثير من الاسئلة حول من المسئول عن عمليات الإغاثة؟ لماذا كانت طائرات الهليكوبتر المشاركة في عمليات الإنقاذ قليلة ولماذا كانت اعداد حرس السواحل على هذه الدرجة من الندرة؟ لماذا تستغرق طائرات الهليكوبتر خمس ساعات لإنقاذ 5 أفراد من داخل مستشفى واحد؟ أين الغذاء للمنكوبين؟ أين قوات جيش الولاية؟ أين الحرس الوطني؟ أين الباصات والشاحنات؟ أين الملاجئ ودورات المياه العامة المتنقلة؟ أين المستلزمات الطبية والماء الصالح للشرب ؟
ودفعت الصور المريعة التي بثتها شاشات التلفزيون عن الدمار الذي أحدثه إعصار كاترينا نقاشا شائكا حول مسألة لون الإنسان في الولايات المتحدة، بعد أن اتضح بأن معظم الضحايا من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقي

ومع انتشار جائحة كورونا هذه الأيام، تجدد النقاش حول هذه الفئة من المجتمع الأميركي، إذ نشرت تقارير إخبارية أن 70% من حالات وفيات الفيروس المستجد في ولاية لويزيانا هم من ذوي البشرة السوداء، على الرغم من أنهم يمثلون ثلث سكان الولاية فقط، وتعد لويزيانا إحدى أكثر الولايات المتضررة بالمرض في الجنوب الأميركي.


اليوم العالم ينظر بفخر وإعجاب إلى نجاح الصین في احتواء الوباء، وفي نفس الوقت ينظر برعب واندهاش الي إلى فشل الولايات المتحدة التي كانت تدعي في جميع افلامها الهوليودية أنها حامي الكوكب من غزوات الفضائيين والفيروسات الميكروبتية في تحقيق هذه المهمة.

هذا التقاعس يعتبر للاشتراكيين لیس مفاجئاً. لأن أزمة القطاع الصحي في الولايات المتحدة منذ عهد رونالد ريغان الذي خفضت سياسته النیولیبرالیة. المستشفیات الداخلیة بشكل استثنائي بنسبة 49 % بین عامي 1981 و1999. وكان الهدف زيادة الأرباح عن طريق زيادة «التعداد» لكن هدف الإدارة المتمثل في إشغال 90 % يعني أن المستشفیات لم تعد لديها القدرة على استیعاب تدفق المرضى أثناء الأوبئة وحالات الطوارئ الطبیة.

ليس الإدارة الأمريكية هي التي استهانت بخطورة الفيروس. حيث حاول في البداية الادعاء بأنه مجرد خدعة، وقد تصرف بوريس جونسون بطريقة مماثلة، وكذلك بولسونارو في البرازيل الذي قال إن عجلة الإنتاج سوف تعود إلى العمل في غضون أسبوعين. إن البرجوازيين من أصحاب الشركات والمصانع حول العالم الذين أدركوا ما الذي يمكن أن يعنيه انتشار الفيروس بالنسبة للاقتصاد الرأسمالي، أي بالنسبة لأرباحهم، دافعوا عن ضرورة مواصلة الإنتاج في جميع القطاعات، بغض النظر عما إذا كانت ضرورية أم لا.


في كل كارثة تحدث في العالم تظل الطبقة الوحيدة التي تجبر على العمل في ظل ظروف فظيعة هي العمال، لذلك وأمام احتمال تصاعد موجة تجذر واسعة النطاق للطبقة العاملة، قد تضطر الطبقة السائدة إلى التراجع والاستسلام لمطالب العمال، بشكل جزئي على الأقل، يعطي الرأسماليين تفسيراتٍ عديدة لثرائهم: عادةً ما تكون «مهارتهم» و«عملهم الشاق» ليمتصوا غضب العمال من أجل ارجاعهم الي المصانع والشركات. ولكن ذلك مجرد هراء، فهم يحصلون على ثروتهم بأساليب لا علاقة لها لا بهذا ولا بذاك. أول أسلوبٍ هو الوراثة: خذوا مثلًا مردوخ و باكر وترمب ورينهارت. لم يكدح أي هؤلاء «الراسماليين» من أجل ثرواتهم، بل ورثوها. في تقرير قرأته عام 2016 إن 44 % من أغنياء العالم من قائمة Forbes ورثوا «ثروة معتبرة إمّا من زوجٍ أو أحد أفراد عائلتهم».

طبعا مجلة فوربس تتحدث عن الوراثة التي تنحصر في وراثة مال فقط، لكن لا يذكروا وراثة رأس مال الاجتماعي والثقافي الذي يساعد ابناء الأثرياء علي الاستحواذ على العدد الشحيح للوظائف عالية الأجر. واقعآ، فرصة أبناء العائلات الغنية غير الحاصلين على شهاداتٍ جامعية في الحصول على دخل عال أكثر بمرتين ونصف من فرصة أبناء العائلات الفقيرة الحاصلين على شهادات جامعية. ومع أن ذلك بسبب وراثة الأموال، ولكنه يشكل أيضًا امتيازات غير مُنصفة عابرة للأجيال. والأسلوب الأخر لتحصيل الثروة : إستغلال العمالة. برغم وراثة الأموال والشركات والمصانع، لم يكن بإمكان البرجوازيين الحفاظ علي ثوراتهم وتضخيمها إلا من خلال استغلال الطبقة العاملة.

النظام الرأسمالي في إمكانه اجراء بعض الإصلاحات لتخفيف الآثار الاجتماعية والبيئية لاحتواء اي كوارث وبالتأكيد، من يرجع إلي التاريخ سوف يعلم كيف سنت الكثير من الإصلاحات، بما في ذلك تلك الإصلاحات المترتبة على مكاسب العمال في الدول الرأسمالية المركزية مثل يومِ وأسبوع عملٍ أقصر، وحق تشكيل النقابات، ونظام تأمينٍ اجتماعي تقاعديٍ مدار من قبل الدولة، ودخل أعلى، وقوانين سلامة العمال. وقد أدى القلق إزاء الكوارث لسن قوانين أدت لتحسين الحالة المزرية لجودة المياه والهواء في معظم البلدان الرأسمالية المتقدمة. لكن بالرغم من ذلك، وكما نشهد اليوم في بلدان المركز فإنه من الممكن لرأس المال أن يلغي المكاسب التي ربحها العمال من خلال نضالاتهم وكفاحاتهم الشاقة. ففي خلال فترات المد والجزر من الصراع الطبقي وعندما تكون الظروف حتما في صالح رأس المال، تكون هناك محاولة لإلغاء المكاسب والدفع نحو تقليل قيود رأس المال للحد الأدنى ومنحها أقصى قدر من المرونة.

النخب البرجوازية الحاكمة في ظل خوفها من ثورة تدمر النظام الرأسمالي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي حاجتهم لتعاون العمال في الحرب، روج أصحاب رأس المال في معظم أنحاء أوروبا: إجازاتٍ مدفوعة وأجور أفضل، ألمانيا قد وضعت بعض العمال في مجالس إدارة الشركات. أما في الولايات المتحدة،  أثناء ولاية روزفلت حيث أُضيفت برامج جديدة تحت مسمي the new deal ، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي أثناء إعادة إعمار اقتصادات دول المركز بسرعة، محفزة بقطاع صناعة السيارات وتوسع الضواحي الحضرية بكل ما لهما من تداعيات، كان هناك الكثير من المال الكافي لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية، وتقديم رواتب أعلى للعمال، وجني أرباح طائلة في الوقت نفسه. ومع نمو الاقتصاد بسرعة، ازدادت الضرائب (من دون بذل الكثير من الجهد) لتمويل البرامج الجديدة. ويمثل الحرص على الاستقرار الاجتماعي في ستينيات القرن العشرين والرغبة في الحصول على دعم الجماهير في الحرب الباردة جزءًا من تفسير تزايد البرامج الاجتماعية. ما حدث في الواقع يعتمد أيضًا على نضال النقابات العمالية فضلاً عن أشكال النضال الطبقي الأخرى مثل حركات السود والأقليات لمطالبتهم بحقوقهم السياسية والاقتصادية. ولكن مع ازدياد نمو الشركات أكثر فأكثر، اشتدت المنافسة بين البلدان ولم تَعُد هناك قوى جديدة لِتُحفز نمو الاقتصاد بشكل أسرع، كما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية وصولًا لنهاية ستينيات القرن العشرين.ومع بدئ الركود الاقتصادي في سبعينيات القرن العشرين، استجاب رأس المال بعدد من الطرق. لقد غيرت استراتيجيات الاستثمار من أجل الحفاظ على الأرباح فقد تم تحويل الاستثمارات من قطاع إنتاج السلع المادية إلى قطاع الخدمات ونطاق المضاربات المالية (بيع وشراء مجموعة متنوعة من المنتجات المالية). ومع الركود الاقتصادي، حولت الانظمة الرأسمالية كما فعلت طيلة تواريخ الكساد أعباء الركود والنزعة الحربية والحرب ضد الطبقة العاملة (وممتلكاتها الاستعمارية السابقة في العالم الثالث). وبدءًا من ثمانينيات القرن العشرين، روج أولئك المتربعون على هرم السلطة والمجتمع لحربٍ طبقية متواصلة تهدف إلى تخفيض الضرائب على الشركات وتخفيضها أيضًا على رجال الاعمال. ثم شنوا حملة لتفكيك أكثر عدد ممكن من حقوق العمال (بما في ذلك أولئك العمال المتواجدين ضمن جيش العمالة الاحتياطي): بالهجوم على برامج الرعاية الاجتماعية، وتصعيب انتساب العمال للنقابات وتيسير طردهم، وتخفيض تغطية المعاشات التقاعدية، وخصخصة الخدمات الأساسية (بما في ذلك المدارس والمستشفيات)، ومحاولة خصخصة التأمين الاجتماعي.

يُسهل الجشع والفردانية والمنافسة الذي يعززها النظام الرأسمالي على التبرير النسبي بالقضاء على البرامج التي تساعد الطبقة العاملة علي الحياة . بالتالي، لا يُمكن للرأسمالية أن تتسم بـ «وجه إنساني» إلا لفتراتٍ قصيرةٍ جدًا من الزمن. توجد علاقةٌ منطقية بين إنجازات الرأسمالية وإخفاقاتها. فليس فقر وبؤس كتلةٍ كبيرة من سكان العالم شيئا من قبيل الصدفة، وهو ليس نتيجة جانبية غير مقصودةٍ للنظام الرأسمالي، وهو بالتأكيد ليس شيئاً يمكن القضاء عليه مع القليل من السمكرة هنا وهناك. لقد أنتج تراكم الثروة المهول في أيد أقلية، كنتيجة مباشرة لطريقة عمل الرأسمالية محليآ ودوليًا، جوعًا متواصلًا وسوء تغذيةٍ ومشاكل صحية ونقصًا في المياه وانعدام الصرف الصحي وبؤسًا شائعًا لجزء كبير من سكان العالم في آن واحد. ولهذا لا يمكن الاعتماد على الإصلاحاتِ المحققة لِمكاسب متواضعة لتحقيق مجتمعٍ إنساني تحت ظل النظام الرأسمالي، فالإصلاحات المضادة سَتُسَن مع ازدياد قوة رأس المال مقارنة بقوة الطبقة العاملة، سوف تصبح  الحرب الطبقية التي تشنّها الطبقة الرأسمالية هي المعيار والقاعدة. ولكن ما هو أهم من ذلك هو أن شرور اللا مساواة والفقر والبؤس والتدهور الصحي البيئي واستخدام الموارد بنسبٍ أسرع من إيجاد وتطوير بدائل لها  هذا فضلا عن التغلغل الإمبريالي الاقتصادي والسياسي والعسكري في بلدان الأطراف من قبل بلدان المركز الرائدة كلها تتدفق من صميم طبيعة النظام الرأسمالي.


خلال أزمة كورونا لقد فقدت النيوليبرالية مصداقيتها، عند الكثيرين بعد تهاوي العديد من الأنظمة الصحية في العالم الاول أمام الازمة لكن هل النظام النيوليبرالي يحتضر؟ يقف الرأسماليون أمامنا كمذنبين تائبين، إذ يخيل للبعض إجراءات تأميم المستشفيات أو المطالبة بالتأميم يبدوا في الوقت الحالي وكأنهم هجروا النيوليبرالية، ولكن ما يحرك الرأسماليين ليس الإيديولوجيا بل المصالح المادية. سيستخدمون الإيديولوجيا النيوليبرالية حين تتوافق مع مصالحهم، وسيطرحونها جانبًا حين لا تتوافق معها. ومصالحهم المادية لم تتغير حتمًا، ما تغير هو أن الأزمة تطلبت تدخلًا (الأسلوب الكينزي الاقتصادي) لإنقاذ الرأسماليين، ومتى ما اختفت هذه الضرورة المرحلية، ستعود المياه إلى مجاريها. طالما استطاع الرأسماليون تحقيق أرباحٍ دون مساعدة، تلقاهم يرفضون تدخل الدولة. ومهما كانت الظروف، يعلم الرأسماليون أنّ أرباحهم ليست إلّا عمل الطبقة العاملة غير مدفوع الأجر وأنّه مهما كانت السُبل، يتوجب عليهم تخفيض المستويات المعيشية للطبقة العاملة.

في عام 2008 توقع الكثيرين نهاية مكانة الولايات المتحدة (كقوة عظمى مالية). لكن تجاهل البعض ان الرأسمالية يتوجب عليها العمل وِفق مجموعة قواعد، وهذه القواعد فُرِضت نتيجة الهيمنة الأمريكية. وأزمة النيوليبرالية تعني أنّ هذه القواعد ستكون محل تفاوض. يخلط البعض أيضًا أزمة النيوليبرالية بأزمة أكثر مناصريها حماسةً: الولايات المتحدة الأمريكية.


اليوم  الطبقات السائدة واعية تمام الوعي بالإمكانيات الثورية التي يحبل بها الوضع وتعرف أن الحركات الجماهيرية ستندلع بمجرد ما سيتمكن الناس من العودة إلى الشوارع بأعداد كبيرة. ولذلك فإنهم يحتاجون إلى تجهيز جميع الأدوات المتاحة لهم لمواجهة الوضع الجديد الذي يتطور. يرجع التجذر الواسع الانتشار إلى حقيقة أنه صار من الواضح تماما أن “اقتصاد السوق” لا يصلح في ظل هذه الظروف. وقد صدرت العديد من المقالات، حتى من قبل محللين ليبراليين انتهازيين، حول كيف “صرنا جميعنا اشتراكيين الآن”، وهو اعتراف بحقيقة أن التدابير التي تقوم على تدخل الدولة بشكل مباشر في الاقتصاد صارت ضرورية. ففي جميع البلدان، وخوفا من ردود فعل اجتماعية، بدأت الدولة تتدخل بموارد مالية ضخمة لتقديم إعانات لمساعدة الناس على تجاوز هذه الأزمة، لكن مع تقديم الكثير من الأموال للشركات أيضا لحمايتها من الانهيار.

سيتذكر الجماهير كل هذا، وبمجرد انتهاء الأزمة سوف يسألون لماذا لا يمكننا الحفاظ على هذه التدابير.سوف يريدوا أن يفهموا ايضآ لماذا يحدث كل هذا وما الذي يمكن فعله حيال ذلك. وفي مثل هذه الظروف يمكن للأفكار الثورية أن تصل إلى فئات أوسع بكثير. هذا يعني أنه يمكننا تسريع عملية بناء التيار الماركسي داخل الحركة العمالية وبين اكثر الفئات الشعبية المتضررة.


ستعزز الأزمة التفاوت الاقتصادي، سوف تصعد  من الصراع الطبقي ويشحذ الصراعات السياسية والعسكرية الدولية. ومع ذلك، وبتزامن، خلق شبحُ الأزمة فرصًا جديدة لليسار الماركسي ليلقى أذنًا صاغية ترغب ببديلٍ للرأسمالية وتريد بناءَ مقاومة ضدها.



المراجع :


↩For a discussion on this point, see Harry Magdoff, “Militarism and Imperialism,” reprinted in his collection Imperialism Without Colonies (New York: Monthly Review Press, 2003).
↩This is calculated from the U.S. Labor Statistics, Department of Labor. If we divide the number of persons employed in October 2015 (when the unemployment rate was 5 percent) by the workforce as it would have stood if the employment-population ratio in June 2007 were the same in October 2015, then the employment rate comes to 89.4 percent. This gives an unemployment rate of 10.6 percent, or 11 percent in round numbers. This is pretty close to the U-6 unemployment rate of the BLS (10 percent), even though the latter is calculated differently.
↩Irving Fisher, “The Debt-Deflation Theory of Great Depressions,” Econometrica 1, no. 4 (1933): 337–57.
↩See Rosa Luxemburg, The Accumulation of Capital (New York: Monthly Review Press, 1951 [1913]), and Michał Kalecki, “Observations on the Theory of Growth,” The Economic Journal 285 (1962): 134–53.
↩A detailed discussion of this issue can be found in Prabhat Patnaik, Accumulation and Stability under Capitalism (Oxford: Oxford University Press, 1997).
↩See for instance Joseph Steindl, Maturity and Stagnation in American Capitalism (New York: Monthly Review Press, 1976); Joan Robinson, introduction to Luxemburg, The Accumulation of Capital; and Paul A. Baran and Paul M. Sweezy, Monopoly Capital (New York: Monthly Review, 1966). For a discussion of this point in an historical context, see W. A. Lewis, Growth and Fluctuations 1870–1913 (London: Allen and Unwin, 1978).
↩For a detailed discussion of the issues involved, see Utsa Patnaik, “The Free Lunch: Transfers from the Tropical Colonies and Their Role in Capital Formation in Britain During the Industrial Revolution,” in K. S. Jomo, ed., Globalization under Hegemony: The Long Twentieth Century (New Delhi: Oxford University Press, 2006); and “India in the World Economy 1900–1935: The Inter-War Depression and Britain’s Demise as World Capitalist Leader,” Social Scientist 42 (2014): 488–89.
↩While the first of these factors was emphasized by Alvin Hansen in his book Full Recovery or Stagnation? (New York: Norton, 1938); the second factor, the role of Japanese competition, is discussed in Prabhat Patnaik, Accumulation and Stability; and the third, the world agricultural crisis, in Utsa Patnaik, “India in the World Economy.”
↩Lloyd George’s proposal in 1929 for a public works program financed by a fiscal deficit to provide jobs to the unemployed, whose numbers had by then already risen to a million in Britain, was shot down by the British Treasury on the basis of an utterly erroneous argument that Joan Robinson, in her book Economic Philosophy (Harmondsworth: Penguin, 1966), calls “the humbug of finance.” The famous article by Richard Kahn on the “multiplier” effect (“The Relation of Home Investment to Unemployment,” Economic Journal 41, no. 162 [1931]: 173–98), which provided the theoretical core of the Keynesian revolution, was written as a refutation of this Treasury view. For a discussion of the arguments involved, see Prabhat Patnaik, “The Humbug of Finance,” in The Retreat to Unfreedom (New Delhi: Tulika, 2002).
↩The United States no doubt constitutes an exception here: since its currency is still taken to be “as good as gold,” increases in U.S. fiscal deficits do not cause any capital flight and are therefore sustainable. But at the same time, the consideration that the demand expansion caused by such an increase would significantly leak out abroad through higher imports, which would mean greater external indebtedness of the U.S. for generating jobs abroad, stands in the way. The closeness of the U.S. government to financial interests that frown on fiscal deficits, and the pervasive prevalence of the ideology of “sound finance,” also work in the same direction.
↩W. A. Lewis, The Evolution of the International Economic Order, (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1978).
↩This demand aspect is emphasized by Joan Robinson in her introduction to Luxemburg, The Accumulation of Capital, 26–27.
↩Joseph Stiglitz, remarks to the AFL-CIO Convention on April 8, 2013.
↩Indeed, this was the crux of their argument in Monopoly Capital.

2016, Volume 67, Issue 08 (January)
Connect
Subscribe to the Monthly Review e-newsletter (max of 1-3 per month).


تعليقات