على هامش الوباء : الرأسمالية و صعود الصين و الآفاق الجديدة. بقلم : يوسف شوقي




"ليست الاشتراكية نظاما جاهزا سيكون ولى نعمة للبشر. الاشتراكية هى الصراع الطبقى لبروليتاريا الزمن الحاضر فى تقدمها من هدفٍ اليوم الى هدف اخر غدا ، من اجل هدفها الاساسى الذى تقترب منه كل يوم"
لينين.

مقدمة
فجرت فاجعة فيروس كورونا الكثير من الاراء الفلسفية و الاجتماعية و اخذ كل مفكر يحاول ان يمتص الموقف بداخل ايديولوجيته و يحلل الوضع من خلال الاشكالية التى يتبناها. فالحالة شديدة المناسبة للوجوديين الذين لا يكفون عن الحديث عن الموت و معرفة الذات و الابحار داخلها. كما لا ننسى موقف المابعد حداثيين او منظرو السياسة الحيوية مثل جورجيو اجمبين الذين حاولوا تطبيق نموذجهم بكل صرامة على ازمة كورونا فوجدوا ان النتيجة لن تفرق كثيرا عن نظريات المؤامرة الساخنة حيث تكون السلطة المتآمر الاوحد على البشرية و انعدام الوجود خارج السلطة. الامر اشبه بليبرالية متطرفة للغاية تحاول تقويض اى اجماع عام. و بالطبع تعددت الاراء بين ما يدعو الى التأمل و ما يدعو الى الشعور بأن المفكر قد أرغم على الادلاء بعباراته.
حال الفلاسفة لم يتغير ، فهم يحاولون جاهدين تفسير العالم و موضعة اى شىء فى اطر تفسيرية جاهزة ، فهم الاقل تأثرا بالعزل لانهم منعزلون منذ زمن بعيد. الامر المثير للاهتمام هو رأى الفرد العادى الذى اجبر على الاهتمام بالاحداث العالمية و المتابعة عن قرب ، ذلك الشخص الذى يواجه المخاطر فى نزوله الضرورى من المنزل لجلب معيشته او هؤلاء الذى القى القدر على كاهلهم وظيفة اجتماعية ضرورية ، او هؤلاء الذين هم اكثر رفاهية ؛ الذين اجبروا على عطلة منزلية طويلة الامد. فى الحالتين تفتحت افاق الجماهير لتتسائل و تتهم و تبحث و فى تلك المواقف اعتادت السلطات على اعطاء كبش فداء للناس كوسيلة للتفريغ الآمن لانفعالاتهم و قد حاولت ذلك بالفعل ؛ ففى بداية الازمة القت الولايات المتحدة اللوم على الصين و تعالت نبرة الحرب الباردة و البروباجندا المضادة للشيوعية ، مثل اتهام الصين بالكذب او القاء اللوم على نموذج الدولة المركزية حيث يقوم كل فرد بنفاق السلطة لتحقيق المكاسب ، و تمت مقارنة نشأة كورونا بالصين بحادثة شيرنوبل و ساعد على ذلك عملية "صناعة  الثقافة" تلك العملية التى تظهر اهميتها فى تلك الازمات ؛ حيث انتشر منذ سنة تقريبا مسلسل شيرنوبل و قد تمت متابعته على مستوى عالمى و خصوصا فى اوساط الشباب و يوضح المسلسل "ثمن الاكاذيب" فى الدولة الحديثة التى تسير على نهج غير النهج الغربى ، و كأن الدول الغربية لا تكذب او انها ليست لها مصالح يمكنها ان تكذب من اجلها. و كما انه يوجد "ثمن للأكاذيب" ، يوجد ايضا ثمن لقول الحقيقة فى النظام الرأسمالى الغربى ، فجوليان اسانج الذى يموت كل يوم ببطىء و يحرم من حقوقه البشرية و تتم معاملته كارهابى ، قد دفع ثمن قول الحقيقة غاليا. و نترك للقارىء المقارنة بين نتيجة و طريقة التعامل مع الازمة بين النظام المركزى المتهم بالكذب و النظم المدعية للحقيقة. على اية حال، لم تُستَقطب الجماهير بشكل كامل عن طريق تلك البروباجندا بعد نجاح الصين الساحق فى السيطرة على الفيروس و تقديمها لمساعدات سخية للعالم (بالطبع تجرأ البعض و اتهم الصين بانها تريد السيطرة الجيوسياسية على الدول التى تقدم لها المساعدات و لكن كما نعلم ، هذة وظيفة قوى عظمى اخرى ذات باع طويل فى المساعدات "اللاانسانية" و بعد اقرار منظمة الصحة العالمية عدم ادانة الصين على اى شىء يتعلق بتأخر الابلاغ عن العدوى او ما شابه.

و لكن تتوجه اصابع الاتهام يوم بعد يوم اتجاه الى ما يسميهم الناس :"اصحاب المصالح" ، "الناس اللى فوق" ، "الناس اللى معاها" ، او يوجد من وصل بهم الفهم الى اتهام الرأسمالية بشكل مباشر ، و قد فاقم من تلك الاتهامات تصريحات رجال الاعمال السلبية حول العالم حيث حث بعضهم على التراخى فى الاجراءات الصحية و استكمال العمل اليومى. كما انه توجد بعض الحكومات الغربية التى تجرأت و خاطبت الناس بكل صراحة انه سيتم تطبيق سياسة داروينية اجتماعية اى "مناعة القطيع". بالاضافة الى تأخر حكومات كثيرة فى التعامل مع الازمة لان تلك الحكومات تمثل مصالح الشركات الرأسمالية الكبيرة و التشكيلات الصناعية الضخمة تلك الانشطة الاقتصادية التى بالطبع ستتوقف جزئيا كبند من بنود التعامل مع الازمة.
بعد انتهاء الحكايات القصيرة التى نشارك بها القارىء الذى بالطبع يمتلك حكايات شبيهة و اكثر سننتقل الى الحديث عن مقالنا. لن ينصب الحديث عن الازمة بشكل رئيسى و لكننا سنتناول النظام الرأسمالى العالمى مدى صلاحيته و شرعيته و فاعليته الحالية و  صعود الصين و مسارات تحولها الاقتصادى و الاجتماعى و مدى تقدميتها و حملها لمشروع عالمى جديد ، و فشل الدولة الرأسمالية الغربية فى التعامل مع الازمة بشكل فعال نتيجة اسباب نظامية Systemic  و ليست فردية. و اخيرا التشديد على وجوب الحركات التقدمية الاستعداد للعمل كل داخل الاطار القومى له ، لاعداد الساحة القومية للتغير العالمى الجديد و النضال من اجل عالم افضل.

الرأسمالية على المستوى القومي و العالمى

لظاهرة الدولة فى المجتمع البشرى تاريخ طويل لا يقتصر فقط على الحقبة الرأسمالية ، و لكن تمتاز تلك الفترة الاخيرة بعلاقة مميزة بين الاقتصاد و الدولة ، ففى انماط الانتاج السابقة و خصوصا تلك الانماط التى امتازت بشكل مركزى ، ارتبط الاقتصاد بالدولة ارتباطا شديدا ، و فى احيان كثيرة وقفت الدولة او الامبراطورية العالمية world-empire فى وجه عملية حدوث تراكم (تجارى-ماركنتالى) بسبب حدوث مصادرات او بسبب تخوف من هم فى السلطة من استقلال اصحاب المال ، فالمصادرات هى افعال كانت شائعة للغاية فى العالم القديم و الوسيط. و بالتالى يجب الافتراض ان ضعف الدولة او الدول (بشكلها القديم اى الماقبل قومى) النسبى هو شرط ضرورى لقيام الرأسمالية و هذا ما حدث بالفعل فى اوروبا مثلا ، حيث ضعفت العلاقة و الوحدة بين الدول التى اقيمت على الروابط الاقطاعية و صعدت الدولة القومية و تصارعت الدول فيما بينها ، و هكذا اصبحت الدولة ممثلة لرأس المال الذى صعد و هيمن على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للامة حيث اصبح للدولة مهمة اعادة انتاج الوضع الطبقى و اعادة الانتاج الايديولوجية و السياسية من خلال شتى اجهزتها الرسمية(الايديولوجية و القمعية) و الغير رسمية و المجتمع المدنى. و على الرغم من الدور الهام و الضرورى الذى تقوم به الدولة القومية فى تمثيلها الموضوعى لرأس المال و تمثيلها الشكلى و الجزئى للطبقات الشعبية ، اقول انه برغم ذلك تنفصل الحياة الاقتصادية (او الاقتصادى the economic) عن الحياة السياسية (او السياسى the political) بشكل واضح كما يخبرنا نيكوس بولانتزاس ، فمهما زادت مهام الدولة البرجوازية لن تستطيع التعدى على الاقتصادى او السطو عليه بشكل كلى. فالدولة البرجوازية لا تسيطر بشكل ملحوظ الا فى حالات الازمة الشديدة و التى اذا لم تمارس سيطرة جادة سيتم تقويض دعائم المجتمع الرأسمالى ككل ، او عندما تمثل الدولة شريحة معينة من الرأسماليين داخلها(رأسمالية الدولة) ، و بالتالى تصبح السيطرة على رأس المال خارج الدولة بمثابة صراع داخل الطبقة (intra-class struggle) نفسها. و لكن يجب ان نفهم ان الامور لا تسري بتلك السهولة حيث كل شىء متفق عليه و لكن فى الامة الرأسمالية يوجد دائما شد و جذب بين رأس المال من جهة و الدولة (السياسى و الثقافى ) من جهة اخرى ، فالدولة تعمل على تخفيف الاثار المدمرة لرأس المال و التخفيف من حدة الصراع الطبقى عن طريق استقطاب الطبقات الشعبية و استخلاص الفائض منها (على صورة ضرائب مثلا ) و تفريغ غضبها و شرعنة الحكم بالقانون و الاهم دعم الطبقات الشعبية ( 220Therborn ,) و تحتاج الدولة لاتمام الدعم ، ان تستخلص قدرا من الفائض الذى يحققه رأس المال فيما يسمي بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال و هذة نقطة صراع هامة بين الدولة و رأس المال و يظهر ذلك بوضوح فى ازمة كورونا ، حيث نرى تلكع تارة و رفض تارة اخرى من رأس المال للمساعدة فى الازمة.
اما عن رأس المال فما يقوده هو الربح الاقصى ، التراكم اللانهائى ، الربح من اجل الربح ،  هو مثل "الهو" فى التحليل النفسى برغبته الغير عقلانية ، اما الدولة فهى الكابح الذى يسعى لتحقيق رغبة رأس المال و لكن بطريقة عقلانية و آمنة. كما يقول مارك بليث :"مشكلة الدولة فى الفكر الليبرالى ، انها لا يمكن التعايش معها ، و لا يمكن العيش بدونها ،  و لا يراد دفع تكلفتها" (جاد 2018 ، 314). و لكى يحافظ رأس المال على استقلاله و فى نفس الوقت لتوسيع رقعة التراكم و اعادة الانتاج الموسعة Extended scale يدفع رأس المال الدولة لشن حروب او نزاعات او صراعت قومية ، حيث تنشغل الدولة فى الاعداد المادى و النفسى للشعب لشن صراع ما و تتقوض مراكز القوى داخل الدولة التى يمكن ان تمثل خطرا على استقلالية رأس المال. و  بالاضافة الى ذلك يتحدث لينين فى " الإمبريالية اعلى مراحل الرأسمالية " ان  الدولة البرجوازية الامبريالية تشن الحروب و الصراعات فى سبيل البحث عن العمالة الرخيصة و المواد الخام حتى تمنع معدل الفائدة من الهبوط كما تحدث ماركس فى رأس المال the tendency of rate of profit to fall.
هذا بالنسبة لرأس المال فى امة ما و تحليل علاقته مع الدولة و مع الامم المجاورة ، ماذا اذا عن النظام الرأسمالى العالمى ؟ ، كل تلك الامم الرأسمالية كيف تتفاعل مع بعضها البعض ؟ ، لو اُطلقت يد الصراع بين الدول المختلفة سينهدم النظام العالمى ، و بالتالى وجب وجود قوة او مجموعة قوى تنظم التبادلات و الحروب فى النظام العالمى الرأسمالى ، و بالتالى ظهر ما يعرف "بالقوة العظمى او بالقوة المهيمنة " Hegemonic power  ، تمثل تلك القوة دولة داخل العالم ، اى انها تقوم مقام الدولة فى الامة البرجوازية ، فهى تحتكر وسائل العنف الى حد كبير و تحافظ على ثبات النظام و تقدم حلولا للمشكلات النظامية اى انها تخفف من حدة تناقضات النظام العالمى و تسمح بتوسع رأس المال بتنظيم محدد.
عرف العالم الرأسمالى-الماركنتالى عدة قوى عظمى ، ففى البداية جاءت الامبراطورية الاسبانية ثم هولندا ثم انجلترا ثم الولايات المتحدة و يلاحظ ان حقبة تلك القوة العظمى تنقسم لمرحلتين يسميان ب"الدوائر النظامية للتراكم" (Minqi Li2008, 114) ، اولا التوسع المادى حيث تتم عملية الانتاج و الاستحواذ على مقدرات البلدان الاخرى و موادها الخام و استغلال عمالتها ، ينتج عن ذلك فائض كبير للغاية لا تسع حدود الانتاج الحالية على استثماره لتحقيق التراكم و بالتالى تبدأ المرحلة الثانية و هى التراكم المالى و بزوغ و سيادة رأس المال المالى ، حيث تتم عمليات الاقراض و تحقيق الفوائد و تستمر تلك المرحلة حتى تبدأ القوة العظمى فى الانهيار التدريجى نتيجة المشاكل المالية مثل الديون و انخفاض الفوائد و عدم دفع الديون .. الخ.هذا بالاضافة للصراعات السياسية المدمرة. و بذلك يفسح الانهيار المجال لقوة عظمى جديدة تبدأ نفس المرحلتين ، و يجب ان نلاحظ ان تلك القوة الجديدة يجب ان تكون اكبر جيوسياسيا و اقتصاديا من التى سبقتها.

المرحلة الحالية

 نعلم ان الولايات المتحدة الامريكية هى القوة العظمى المهيمنة على النظام الرأسمالى العالمى و بالتالى اى محاولة توقع لما سيؤول اليه هذا النظام يجب ان تبدأ من خلال تحليل للقرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية اى الفترة التى ثبتت فيها الولايات المتحدة نفسها كقائدة للتطور و النمو الرأسمالى. كما تحدثنا سابقا توجد مرحلتين لاى حقبة زمنية تسود فيها قوة عظمى : التوسع المادى و التوسع المالى. وصل التوسع المادى اقصى درجة له بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية و اوروبا الغربية  فى خمسينيات القرن العشرين (الحقبة الذهبية ) امتازت تلك الفترة بالتصنيع المكثف و ربط البحث العلمى الهندسى بالصناعة و سيادة ما يعرف بالديموقراطية الاجتماعية حيث تم التوصل الى توافق اجتماعى نسبى بين البرجوازية و الطبقات الشعبية حيث حصلت تلك الاخيرة على امتيازات عدة من حيث الاجور و ثبات الوظيفة. وزاد الصرف العام بشكل كبير و دعم الطبقات الشعبية. و ساعد على قيام ذلك النظام فى الغرب التنافس مع الكتلة الشرقية ذات الطابع الاشتراكى ، حيث اضطر الغرب لتقديم الكثير من التنازلات لصالح الطبقة العاملة حتى لا ينساقوا وراء الافكار الثورية التى كانت تلوح فى الافق فى ذلك الوقت. و ارتبطت الدولة برأس المال الاحتكارى ارتباطا وثيقا ، حيث تناسبت الدورات الانتاجية مع المواسم و الاحداث السنوية المهمة فى اى دولة ، مثل تحصيل الضرائب و السنة المالية ..الخ.

كان رأس المال الاحتكارى يقبع فى حدود الامة اى انه كان لايزال قوميا (Amin2014 )و صاحب ذلك صعود حركات التحرر الوطنى التى حاولت تحقيق استقلال جيوسياسي و اقتصادى و معها بزوغ البرجوازيات القومية فى التكوينات المحيطية و النصف محيطية. حاولت تلك البرجوازيات (سواء كانت داخل الدولة القومية او خارجها ) قيادة مرحلة من النمو الرأسمالى القومى و احلال الواردات و التحديث المستمر. و ساعدت الولايات المتحدة فى البداية تلك الامم سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة و ذلك لسبيين ، اولا تحييد القوى العظمى الاستعمارية السابقة عن السباق مثل بريطانيا و فرنسا و ضمهم تحت لواء القوة العظمى الجديدة  و ثانيا ، بسبب التنافس الدائر بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتى الذى كان يحاول مساعدة حركات التحرر الوطنى ايضا ، و الكثير من الامم حققت قدرا من النمو نتيجة تحركها الحر نسبيا بين الكتلتين و استغلال هامش المناورة.

ولكن لم تدم تلك المرحلة الذهبية طويلا ، فالتراكم المادى قد وَلد فائضا اكبر من ان يتم استثماره فى الحدود الانتاجية المتاحة حينذاك (Amin2014) ؛ فالدول القومية الناشئة و برجوازيتها الصاعدة المستقلة نسبيا  قد وضعت العراقيل امام الرأسمالية الاحتكارية الامبريالية من استغلال قوى العمل و نهب المواد الخام فى البلدان المختلفة. هذا بالاضافة الى ان البلدان ذات الكثافة السكانية الريفية العالية مثل الصين (تلك الكثافة الى يمكن ان تتم بلترتها بسهولة ) قد تحولت الى الاشتراكية ؛ حيث تم هزيمة الامبريالية هزيمة ساحقة و تم تحديها حتى خارج حدود الامة. كما انه فى الجانب الرأسمالى الغربى نفسه  استحالت احتمالية تقليل الامتيازات العمالية من اجور مثلا ؛ حيث انه فى تلك التكوينات بالذات قد اكتسبت الطبقة العاملة و الطبقات الشعبية عموما قوة قتالية عالية و خرجت فى عدة احتجاجات و حركات بعد ان اكتشف هؤلاء ان تلك الامتيازات ليست الا فتاتا تتساقط من مائدة الرأسمالية الاحتكارية الكبيرة. و لكن لم تنجح تلك الحركات من تحقيق نجاحات كبيرة ؛ حيث انها لم تكن محددة الاهداف كما انها لم تكن حركات راديكالية تسعى لتغيير المجتمع ككل مسلحة باستراتيجية و تكتيك فعالين. و لكن غلب على تلك الحركات الطابع الثقافوى و الاجتماعى العام بدون نظرة شاملة علمية عن الاقتصاد و السياسة و الايديولوجيا. فدولة الديموقراطية الاجتماعية كانت قمعية الى حد كبير (ثقافيا و اجتماعيا ) و بالتالى بدى ان تلك الحركات كانت فى استعداد ان تهدأ قليلا ان مُنِحَت بعض التحرر و الانفتاح الثقافى و الاجتماعى ، و التقليل من حدة القمع المادى المباشر ، و التحرر فى العلاقات الاجتماعية و الجنسانية. و حتى لا نخوض فى تحليل موسع ، ترجع تلك الظاهرة بشكل اساسى الى ان الجانب المهيمن على تلك الحركات لم يكن الطبقة العاملة و لكن الطبقة الوسطى و بالتالى فسهلت عملية امتصاص تلك الحركات فى النظام النيوليبرالى عن طريق التحرر الثقافى و تغير ديناميكيات التفاعل الاجتماعى بين افراد النظام الغربى.
كل ذلك كان يؤهل الساحة لبداية المرحلة الثانية فى حياة القوة العظمى الامريكية و الكتلة الغربية  ، الا و هى مرحلة التوسع المالى حيث بدأت ما يعرف بالنيوليبارالية ، فجزء كبير من الفائض قد دخل فى العمليات الاستثمارية المتعلقة بالمال اى رأس المال المالى  عن طريق البنوك الدولية  و المؤسسات المالية الدولية. تلك المؤسسات التى تحولت عن اهدافها التنموية فى العهد الذهبى و توجهت نحو دفع تكوينات المحيطية و النصف محيطية الى المزيد من الانفتاح الاقتصادى السوقى و الزج بها فى حالة جديدة من التبعية و النيوكولونيالية و التبادل غير المتكافىء. قامت تلك المؤسسات و معها القوى العظمى الغربية باضعاف الحكومات فى تلك التكوينات و دفعها الى حالة من التراخى و التنازل عن وظيفتها الاجتماعية و دفع موجة تخصيص كبيرة او ما  يسميه ديفيد هارفى "بالتراكم عبر الانتزاع". و مثلما كانت تفعل البنوك البريطانية فى مرحلة التوسع المالى ايبان القوة المهيمنة البريطانية  هكذا فعلت البنوك حيث قامت بتسليف الحكومات و اغراقها بالديون و تسديد الديون عن طريق الاستدانة مرة اخرى. و فُتِحت الابواب امام الشركات الكبرى لاستغلال قوى العمل و المواد الخام لانه فى النهاية حتى فى مرحلة سيادة التوسع المالى ، لا يقوم للربح و الفائض قائمة بدون الانتاج المادى.

وخروج رأس المال الاحتكارى من الاطار القومى ليتشكل فى اطار عالمى جديد يحمل فى طياته العولمة الرأسمالية ، و هنا قد نشأ تناقض هام من تناقضات العولمة. ففى العصور السابقة كانت القوة العظمى او المهيمنة تتحكم فى عالم من الدول المتصارعة ، اى ان رأس المال كان يرتبط بالقومية ارتباطا شديدا ، و لكن فى حالة العولمة ، قد خرج رأس المال من ذلك الاطار و تشكلت مثلا الشركات متعددة الجنسيات ، و زادت وتيرة الاستثمار الاجنبى و لكن فى حالتنا تلك لا تتحدد قومية ذلك الاستثمار. و قد لعب ذلك الاستثمار دورا هاما فى احياء الانتاج عن طريق استغلال عمالة الصين و باقى الدول النصف محيطية و خصوصا فى آسيا. و بالطبع لعبت المؤسسات المالية الدولية دورا كبيرا فى عولمة رأس المال ، حيث اصبحت تلك المؤسسات مسئولة عن الاستثمار المالى للفائض. و لكن كما نعلم يحتاج رأس المال عموما الى كيان سياسى يترفع ظاهريا عن المجتمع ليرأس عملية اعادة الانتاج و هذا الكيان هو الدولة فى سياق الامة ، و لكن هل تمثل المؤسسسات العالمية بشكل عام دولة عالمية ؟! ، بالطبع تلك المؤسسات لا يرتقى دورها وظيفيا الى دور دولة العالم ، بل و بعض تلك المؤسسات تمارس مهام صورية فى صالح القوى العظمى. كما انه بنيويا ، لا تشكل تلك المؤسسات و المنظمات شبكة متكاملة و هيراركية يمكنها ان تمارس وظيفة معقدة و متكاملة مثل وظيفة الدولة. فى النهاية يتبقى لنا القوة العظمى ؛ هى التى تتولى السيطرة و عملية اعادة الانتاج تلك ، و لكن كما نعلم ان ذلك الدور هو دور اكبر من وظيفة القوة المهيمنة المنوط بها تنظيم الصراع بين الدول و برجوازيات تلك الدول ، فيتوجب وجود سلطة سياسية محايدة و مترفعة عن الصراع و يستحيل ايجاد ذلك الشرط فى حالتنا تلك ، لان الولايات المتحدة الامريكية هى فى النهاية سلطة سياسية تابعة لامة بعينها اى انها فى افضل الاحوال غير محايدة. و يتوجب ايضا اعادة الانتاج الايديولوجية ، و هنا حدث ولا حرج فمعظم النزاعات الحالية فى العالم حتى و اننا نعلم ان اسبابها هى اسباب طبقية و اقتصادية و سياسية و لكن اقول تصتبغ كل الصراعات بصبغة ايديولوجية واضحة منها الاثنى و الدينى او الاثنين معا ، و هذا و ان دل على شىء ، فيدل على ضعف الاستقطاب الايديولوجى فى النظام الرأسمالى العالمى و ضعف العمليات الايديولوجية مثل التأهيل و الاخضاع ، تلك العمليات المنوط بها خلق ذات نيوليبرالية صالحة ترتضى بالوضع القائم. و يؤجج من فشل تلك العمليات التدخل السافر للقوى العظمى فى شئون الدول القومية التى تغرد خارج السرب (و يجب ان نفهم ان ذلك التدخل ضروري لتأمين المصالح الاقتصادية للبرجوازية الاحتكارية المعولمة ) مما يزيد من العداء الشعبى اتجاه القوى العظمى و اتجاه العالم المعاصر برمته. كما ان الاوضاع المعيشية السيئة التى تخلقها النيوليبرالية و خصوصا فى العالم الثالث ، تخلق حالة من القلق الدائم لدى الطبقات الشعبية ذلك القلق هو كفيل بانتاج حالة عدم استقرار دائم ، و يظهر ذلك فى الفترة التى سبقت ظهور الفيروس بعدة اشهر ، حيث اندلعت عدة حركات احتجاجية شعبية فى العالم الثالث تعبر عن عدم الرضى العام عن النظام العالمى و آثاره المدمرة. كل ذلك يزيد من حدة التناقضات فى النظام العالمى الحالى و يجعلنا نفكر فى عدم قابلية ذلك النظام دون قيام ادارة "حقيقية" مستقلة على مستوى عالمى ، حتى لو كانت نواة تلك الادارة تحالفات اقتصادية و اجتماعية "حقيقية و غير تبعية" على المستوى الاقليمى.

يتحدث ماركس و انجلز فى البيان الشيوعى عن الرأسمالية و اسلحتها التى تهد اعتى الحصون و هى ليست القنابل و الصواريخ او ما شابه على الرغم من استخدام تلك الاشياء و لكن السلع رخيصة الثمن تلك السلع التى يتم انتاجها بفائض كبير يجب تصريفه اول باول حتى لا تحدث الازمة الكلاسيكية للرأسمالية. و السؤال هنا فى مرحلتنا الحالية من ينتج و من يشترى؟ ، تعتبر الصين و الدول النصف محيطية منتجون رئيسيون فى العالم ، اما عن سلعهم فيتم تصريفها عبر المجتمعات الاستهلاكية ذات مستوى معيشى عال ، مثل الولايات المتحدة و اوروبا الغربية ، نشأ عن ذلك مثلا تضخم الدين الامريكى الى حدود خطيرة ، فعندما يقل الاستهلاك او يبطىء ، تعمد الحكومة و بنكها الفيدرالى على تحريك السوق فعلى سبيل المثال تخفض من سعر الفائدة حتى تستحث الافراد على  اخذ قروضا تساعدهم على استكمال عملية الاستهلاك ، و أججت تلك الطريقة من حدة الازمات المالية فى الولايات المتحدة مثل 2008. و بالتالى تمارس الولايات المتحدة دور المنقذ للرأسمالية العالمية عن طريق تصريف سلع الشركات متعددة الجنسيات. مع العلم انه فى بداية توسعها المالى رفعت الولايات المتحدة من سعر الفائدة حتى يتثنى لها امتصاص كمية اموال كبيرة لاستخدامها فى عملية الاستثمار المالى و لكن عندم تعرقلت عمليات الاستهلاك ، حدث العكس كما اوضحنا. بعد ازمة2008 اتجه الاقتصاد الغربى نحو المزيد من التوسع الخدمى مثل الفنادق و وسائل الترفيه و الخدمات العامة..الخ (هارفى2020 ) يعكس ذلك التوجه جزئيا فشل النظام الغربى فى التعامل مع ازمة كورونا حيث ان تلك الانشطة تحتاج لاستمرارية عمل البنية التحتية بشكل فعال و تحتاج للتنقل الكثير ، و كل تلك الافعال تم ايقافها بسبب الازمة.

كانت الصين اخر احتياطى استراتيجى بالنسبة للرأسمالية العالمية ، ( Minqi Li 2008, (12,13 من حيث وجود قوة العمل الوفيرة القابلة للبلترة ، فكما تحقق الرأسمالية ارباحا على مستوى فائض القيمة النسبى عن طريق التطور التكنولوجى و زيادة التركيب العضوى لرأس المال و لكن تتجه الرأسمالية ايضا الى فائض القيمة المطلق ، اى البحث عن عمالة وفيرة و رخيصة. و كان انفتاح الصين الاقتصادى خيار هام قد ابطأ من الازمة الرأسمالية. و لكن قد تكبدت الولايات المتحدة نتائج ذلك الخيار. و توجد محاولات عدة اخرى للتقليل من وطأة الازمة مثل حرب العراق التى استهدفت تأمين الانتاج المستمر للبترول فى المنطقة و لكن نستطيع القول ان الولايات المتحدة قد تكبدت خسائر عدة فى تلك الحرب و لم تحقق هدفها الاستراتيجى فى النهاية.
عن الصين

بعد ان فهمنا باختصار الاشكاليات التى تحيط بالنظام العالمى الرأسمالى و الولايات المتحدة كقوة مهيمنة. و كما نعلم فالقوة المتحدية للولايات المتحدة و التى يتوقع البعض (و لهم كل الحق فى ذلك) صعودها كقوة مهيمنة جديدة ، و هى جمهورية الصين الشعبية.  لكن حتى لا نقع فى احابيل التفسيرات الجيوسياسية الصرفة و الخبراء الاستراتيجيين ، يجب ان نحلل بشكل موضوعى كيفية تشكل الصين لكى تصل الى تلك المكانة او ذلك الطرف من اطراف الصراع. و ما هى الآفاق الممكنة اقتصاديا و سياسيا و عسكريا امام الصين و امام عالم تقوده الصين.


قامت الإمبراطورية الصينية قبل الميلاد ببضعة الاف من السنين ، و بدأت عملية تحللها منذ قيام الغرب الماركنتالى ثم الرأسمالى الذى حاول جاهدا منذ البداية ضم الصين الى العالم الرأسمالى و دمجها دمجا كاملا فيه ، و عندما فشلت المحاولات السلمية اتجهت الدول الغربية الى الحرب ، مثل حرب الافيون و الحرب الصينية-الفرنسية و اخيرا ما يسمى "بغزو 8 دول للصين" و فى تلك الحروب الغير عادلة خسرت الصين ابناءا و اموالا كثيرة تم دفعها كأتاوة للدول المنتصرة. و كأى امة فى العالم الثالث صعدت حركات ديموقراطية عدة تنادى و تعد للتحرر الوطنى ، مثل الجواميندانج التى فشلت فى 1911 ، بسبب عدم قدرة البرجوازية الصينية المحلية فى قيادة اقتصاد برجوازي وطنى يخلو او تقل فيه التبعية و الكومبرادورية ، كما ان ملاك الاراضى و اسياد الحرب فى الجنوب وقفوا امام عملية التحديث لانها كانت ستقلل من مكاسبهم الاقطاعية.

و قامت محاولة اخرى للتحرر الوطنى ايبان احتلال اليابان للصين على يد شيانج شى شيك الذى لم يكن على ذلك القدر من القوة و العنف اتجاه المحتل ، فهزم جيشه على يد جيش تحرير الشعب الذى حرر الصين تحريرا كاملا و لأول مرة منذ قرون حصلت الصين على استقلالها الوطنى الحقيقى و بدأت مسيرة تنميتها الاشتراكية تحت حكم الحزب الشيوعى الصينى. لا نستطيع انكار ان المرحلة الاشتراكية فى الصين من الخمسينات حتى السبعينات ،برغم كل الصعاب و العقبات و الاخطاء الكبيرة و الصغيرة ، قد حققت انجازات شعبية كبيرة على مستوى التعليم و الصحة و الزراعة و الصناعة ..الخ. و كان عماد ذلك النظام ، الملكية الجماعية للارض فى الريف و ملكية الدولة لوسائل الانتاج فى الحضر ، و كان يتعهد الحزب عن طريق كوادره الاشراف و السيطرة على كل ذلك. بالطبع كانت هناك صراعات كثيرة فى داخل الحزب بين الرؤى المختلفة حول مستقبل التكوين الصينى و عن ماهية المرحلة الحالية و و ماهية الصراع الطبقى داخل التكوين الاشتراكى. فكان ماو تسى تونج يقف فى صف الرأى القائل بأنه مازال هناك صراعا طبقيا داخل المجتمع الاشتراكى و ان عملية التثوير هى عملية مستمرة ، فحتى فى المجتمع الاشتراكى توجد خطورة الارتداد مرة اخرى لعلاقات الانتاج الرأسمالية عن طريق تكوين صفوة جديدة سواء كانت دولتية او حزبية. على الجانب الاخر كان الرأى القائل بأن التكوين الصينى اصبح جاهزا للتقدم نحو الشيوعية ، ذلك التسرع قد اغفل وجود الصراع الطبقى كما انه خلق مساحة من امكانية نشوء الفساد و التستر و عرض نصف الحقائق حول مدى فاعلية انظمة الانتاج حينذاك ، حيث كان توجه الحزب ينحو اتجاه تعظيم المجهود و عرض نجاحات ما يسمى "بالرياح الشيوعية" و بالتالى الكثير من الاكاذيب و انصاف الحقائق قد مرت و تم قبولها بدون فحص. و كان يؤيد ذلك الرأى حينذاك دينج شاو بينج و آخرون و لكنه تراجع عن ذلك فيما بعد.

في نهاية السبعينات و بداية الثمانينات و بعد استقرار الوضع السياسى الداخلى للحزب بعد فشل الثورة الثقافية (لا ننوى تقديم تحليل دقيق لتلك الصراعات) ، توجه الحزب نحو اتجاه مغاير تماما لاشتراكية الثلاثة عقود السابقة ؛ نحو "اشتراكية ذات سمات صينية" مع العلم ان ذلك المسمى موجود منذ ايام ماو تسى تونج و لكن فى تلك الحقبة السابقة كان ماو يقصد بالمصطلح ان الصين كبلد زراعى يتكون اساسا من الفلاحين و المزارعين و بالتالى عند صياغة الاستراتيجية الثورية يجب ضم الفلاحين  ضمن القوى الاساسية المحركة للثورة و عدم الاقتصار على العمال الصناعيين الذين كانوا قليلى العدد حينذاك. بالاضافة الى ذلك عنى ماو بفكرة ان الصين بلد متخلف اقتصاديا و بالتالى يحتاج الى تطوير قوى الانتاج و لكن يجب ان يتم ذلك فى سياق علاقات الانتاج الاشتراكية اى فى ظل الملكية الجماعية فى الريف و ملكية الدولة فى الحضر. اما الاشتراكية التى بدأت حول الثمانينات ، كانت ايضا ذات سمات صينية ((Deng Xiaoping,3 و لكن التركيز هنا كان على التطوير السريع لقوى الانتاج و لم يتحدد بشكل واضح طبيعة العلاقات الانتاجية التى سيتم فى سياقها ذلك التطوير  ، فتم الرجوع نظريا الى الماركسية الكلاسيكية التى اكدت سيادة قوى الانتاج على علاقات الانتاج :

"عندما تصل قوى المجتمع الانتاجية المادية الى درجة معينة من تطورها تدخل فى صراع مع احوال الانتاج القائمة او بالتعبير القانونى مع احوال الملكية التى كانت تعمل فى ظلها حتى ذلك الوقت. و تتغير هذه الاحوال التى هى قيد على الاشكال التطورية من القوى الانتاجية"(ماركس ، 1-2).
فالتأويلات و الممارسات الماركسية فى القرن العشرين اكدت اهمية تطوير قوى الانتاج و لكن تم التأكيد ايضا على اتاحية ذلك فى سياق علاقات انتاج اشتراكية و لكن ما اقره دينج شاو بينج هو ان القوى الانتاجية يجب ان تكون اكثر تطورا من القوى الانتاجية فى اكثر المجتمعات الرأسمالية تقدما قبل ان يتم تطبيق المبدأ الاشتراكى بشكل كامل. كما نعلم قوى الانتاج تتكون من اصحاب قوة العمل و وسائل الانتاج ، فمنذ تلك اللحظة(بداية الثمانينات) و قد عمدت السلطة الصينية (حكومة و حزبا) على تحسين ظروف العمال و اغلبية الشعب الصينى و الرفع من مستوى معيشتهم و تنمية ثقافتهم و تطوير وسائل الانتاج (Deng Xiaoping,16,36 ) حتى لو فى سبيل ذلك تم ادخال بعض السمات الرأسمالية و خلطها مع السمات الاشتراكية مثل "السوق" و بالتالى نشأ ما يعرف "باشتراكية السوق". فالمبدأ الاشتراكى (لكل حسب طاقته و لكل حسب حاجته) سيتم تطبيقه "كاملا" فى حالة وصول قوى الانتاج لمرحلة عالية من التطور. و بما ان مفهوم قوى الانتاج يشمل العامل البشرى فقد اقر دينج شاو بينج ان هناك من سيصبحون اغنياء قبل الاخرين ( ص.12) و المقصود من ذلك انه فى سبيل التركيز على تطوير وسائل الانتاج سنجد اهتماما كبيرا نسبيا اتجاه العمال الصناعيين المهرة اكثر من الاهتمام بالفلاحين و العمال غير المهرة و بالتالى ستنشأ بين هؤلاء و هؤلاء هوة كبيرة و بالفعل هذا ما حدث و لكن تلك الهوة فى طريقها للانخفاض حيث يبلغ معدل زيادة الاجور للعمال غير المهرة و المهاجرين (معظمهم من الريف) اكبر من معدل زيادة الاجور للعمال المهرة ( (Naughton,16و لكن ذلك لا يقتصر فقط على العمال و الفلاحين و لكن يعنى ايضا حكام المقاطعات و البيروقراطيين الكبار الذين يتقاضون مكافئات كبيرة و ترقيات عالية و محدودة مقابل نتائج التنمية و التطوير الذى يقومون بها فى مقاطاعاتهم بالاضافة الى صعود بعض الرأسماليين المحليين نتيجة سياسات السوق المنفتحة نسبيا و يبدو ان تلك هى ضريبة تطوير قوى الانتاج ، و لكن عندما وصلت تلك الضريبة الى حد يهدد الهدف الاساسى و يخلق مراكز قوى داخل النظام اى شيوع الفساد المالى ، نجد زيادة الحملات المضادة للفساد و المؤكدة على الانضباط داخل الحزب و خصوصا فى عهد شى جين بينج.

ولكن ما هى الاليات الرئيسية التى اتخذت للاسراع من عملية تطوير قوى الانتاج؟ فى البداية يجب ان نشير مرة اخرى للظروف العالمية ، قلنا ان الصين قد بدأت فى تطبيق تلك السياسات الانفتاحية فى نهاية مرحلة التوسع المادى و بداية مرحلة التوسع المالى للنظام الرأسمالى العالمى بقيادة الولايات المتحدة ، و لكن الوضع كان متأزما الى حد كبير ، فمعدل النمو فى الغرب قد تدهور للغاية و بالتالى احتاج رأس المالى الى البحث عن قوة العمل الرخيصة لدفع عملية التراكم مرة اخرى و لم يكن هناك خيارا غير الصين ، و هنا توافقت المصالح ، فالصين عندما قبلت بالاستثمار الاجنبى كان ذلك ضمن خطة شاملة لتطوير قوى الانتاج فالامر لم يكن مثل استخدام الاستثمار الاجنبى فى نهب ثروة الامة الطبيعية عن طريق عقود طويلة الامد و عدم مشاركة التكنولوجيا المستخدمة ..الخ ؛ ذلك السيناريو الشهير الذى كان شائعا و مازال و خصوصا مع دول العالم الثالث. و لكن هذا لم يحدث مع الصين ، فالاستثمار الاجنبى كان و مازال مهيمن عليه من قبل الحكومة الصينية المركزية. و مشاركة التكنولوجيا و السيطرة على السلاسل التقنية هناك من الامور الهامة التى اثمرت التقدم التقنى و الفنى الصينى الحالى و التطوير الحقيقى لقوى الانتاج. فكان الامر فى ظاهره منفعة للطرفين و لكن على المدى البعيد سنرى ان الرأسمالية الغربية كانت مجبرة على الاستثمار فى الصين لانقاذ عملية التراكم و النمو و التنمية الغربيين (Deng Xiaoping, 52) و اثبات ذلك انه فى الوقت الحالى تسعى بعض الحكومات الرأسمالية مثل اليابان على الاعداد المالى لسحب الشركات الخاصة من الصين و لكن السؤال هنا الى اين ستذهب تلك الشركات ؟!. هل ستعود الى العالم الغربى او اليابان حيث لن تسمح هناك الطبقة العاملة من التنازل عن اى حقوق لها (مما حصلت عليه خلال صراع طويل )حتى يتثنى لرأس المال ان يتراكم ؟! و بالنسبة للصين من الواضح ان دور الشركات المخصص لها منذ البداية بدأ فى التراجع و بالتالى بدأت اهميتها بالنسبة لاهداف الصين فى الهبوط ، و نرى ذلك فى الاهتمام الاخذ فى الانخفاض بمعدل النمو(الذى كان اولاوية قسوى سابقا) و خاصة فى فكر و تطبيق شى جين بينج.

لقد ذكرنا بالفعل شى جين بينج عدة مرات ، ذلك الشخص الذى يقارنه البعض بماو تسى تونج من حيث القوة و التاثير  (Peters, 1301) و هذا ينطبق ايضا على سياسات شى جين بينج  من حيث اهتمامه بكافة جوانب تطور الصين اقتصاديا و اجتماعيا و تأكيده على القيم الاشتراكية الرئيسية socialist core values  و محاربته للفساد داخل الحزب و الحكومة و اهتمامه بشئون البيئة و المساواة. سنحاول الان تناول بعض الموضوعات تهم الشأن الصينى الداخلى و ما المسار الذى اخذته تلك الشئون الداخلية.

يدعى البعض ان الصين كأى دولة رأسمالية من العالم الثالث ، تلهو بها النيوليبرالية و سياساتها ، و الرد على ذلك يكون بالنظر الى الدولة الصينية المركزية و حكومتها المتضخمة و الغنية للغاية ، تلك السمة تنفى تماما خضوع الصين كأى امة من امم العالم الثالث تلك الامم التى ضعفت اجهزة الدولة بداخلها بشكل كبير. سيطرت الصين على 38 فى المائة من الناتج المحلى الاجمالى فى 2015 ، و يقر الدستور بانظمة تملك مختلفة و لكن يجب ان تسود ملكية الدولة ، و يحدث ذلك عن طريق تملك الدولة القطاعات الانتاجية ذات رأس المال و العامل البشرى الكثيف مثل النقل و الصناعة الثقيلة و الاتصالات و خدمات الصحة و التعليم و التكنولوجيا بالاضافة الى السيطرة على 85 فى المائة من قطاعات البنوك ، اى ان الحكومة الصينية تتحكم فى ممتلكات المنبعassets  upstream الاستراتيجية ( .(Naughton, 7,8كل ذلك يمثل مصادر دخل كبيرة للحكومة الصينية يمكن ان يمثل وسيلة لاعادة استثمار ذلك الفائض (فى 2009 استثمرت الحكومة الصينية 48 فى المائة من الناتج المحلى الاجمالى) او لحل الازمات الكبيرة ؛ فلا غرابة فى استطاعة الحكومة الصينية التصدى لأزمة كورونا بشكل سريع و فعال فى سياق تلك الدرجة العالية من المركزية ووحدة الفعل unity of action دون وضع اى ثقل لاى اعتبارات شخصية او استثمارية ؛ فقط التحرك على مستوى قومى و جماعى.
و سننظر الان الى الطرق التى تؤدى بها الحكومة المركزية مهامها و تحقق اهدافها ، اولا: كما تحدثنا سابقا ، عن المكافئات المالية و الوظيفية التى يحصل عليها المسئولون فى المقاطعات المختلفة ، تلك الاداة التى تعتبر داعمة للتنمية و تطوير قوى الانتاج. ثانيا: الخطط ، فمازالت خطط الخمس سنوات سارية فى الصين ، و تتعلق تلك الخطط بالسياق القومى ككل ثم يتم تجزئتها الى سياقات فرعية و تحتوى تلك الخطط على اولاويات و الزامات مثل الاهداف الوطنية و شئون البيئة ..الخ و يجب الفهم ان الخطط فى النهاية هى التى تسيطر على المسئولين البيروقراطين فى المقاطعات المختلفة.

بالنسبة لمعدلات الفقر(او تقليل عدد من هم تحت خط الفقر) فقد ظلت فى الانخفاض منذ الثمانينات ، فوصل انخفاض معدل الفقر من سنة 1981 حتى 2010 نسبة خمسة و تسعين بالمائة من معدل انخفاض الفقر العالمى ( (Naughton,16و فى 2015 وصل عدد من هم تحت خط الفقر الى 56 مليون نسمة و اخذ العدد فى الانخفاض حتى مقرر له الوصول الى الصفر فى نهاية 2020.


بالنسبة لشئون اخرى  لم تسير الامور على ما يرام و خصوصا فى ال20 سنة بعد اقرار و تنفيذ  افكار دينج شاو بينج ، فمقارنة بالمرحلة الاشتراكية السابقة (الثلاثة عقود) زادت نسبة اللامساواة مثلا و تدهورت الخدمات الصحية و الامان الاجتماعى للعمال الصينيين iron rice bowel  ،  و لكن منذ الالفية الجديدة و نجد ان تلك المشاكل تواجه اهتماما و حلولا تدريجية و متزايدة. و مقياس التطور فى ذلك المجال ينعكس فى نسبة الاستهلاك المحلى (الحكومى و الخاص "استهلاك الاسرة") من اجمالى الناتج المحلى ، و الذى يعكس الى حد كبير مستوى المعيشة و معدل الصرف الحكومى. فى 2008 و صلت نسبة الاستهلاك الى معدل منخفض للغاية : 45 فى المائة ، تلك النسبة تعكس بوضوح تركيز الصين على النمو من خلال عمليتين فقط اى الاستثمار و التصدير (Garrick and Bennett, 100) و يؤكد المفكر الاقتصادى مينكى لى انه لكى تصل الصين الى معدل نمو يقف على قواعد ثابتة تحتاج للوصول باستهلاكها المحلى الى 65 فى المائة((Minqi Li 2008, 90. و نرى انه منذ بداية عهد شى جين بينج ارتفع الاستهلاك المحلى ارتفاعا تدريجيا ليصل الى نسبة 54 فى المائة ((the world bank مما يعكس الاهتمام بالصرف الحكومى فى تلك الفترة و تحقيق النمو بشكل اكثر تعقلا و ثباتا.

و نصل الى السؤال: هل الصين اشتراكية ؟ ، و لكن السؤال الاهم هل الخطاب الرسمى فى الصين يدعى ان الصين اشتراكية؟!

الحزب الشيوعى الحاكم ان الصين فى عملية تطور تاريخية تُبنى من خلالها الاشتراكية. بدأت تلك العملية فى منتصف القرن العشرين و ستمتد الى منتصف القرن الواحد و العشرين (بعض الباحثين مثل فالرشتاين يقولون صراحة انه بعد سنة 2050 او2075 لن نعيش فى النظام العالمى الرأسمالى و البعض الاخر مثل مينكى لى يتوقع موعدا مبكرا بناء على حساباته المتعلقة باستنزاف الموارد الطبيعية و التلوث البيئى ) بالتالى تسمى تلك الحقبة بالمرحلة الاولى من بناء الاشتراكية (Xi Jinping, 50,62,115,219) و فى نظرنا ان تلك الرؤية تحمل قدر كبير من الصدق حيث ان الرؤية الموضوعية ليست استاتيكية فقط (على اى ارض نقف ) و لكن ديناميكية ايضا ، فالمجتمع الصينى الذى يحتوى بالطبع على علاقات انتاج رأسمالية ليس شرطا ان يستمر على ذلك الوضع او الادعاء بان الحزب الشيوعى الصينى يخدع الجماهير ، لو قلنا ذلك سنكون تعدينا حدود الموضوعية و دخلنا فى حدود الايديولوجيا الليبرالية و  البروباجندا المضادة للشيوعية. ففى سياق الانفتاح الذى حدث فى الثمانينات كان يمكن ان يتخلى الحزب بصورة صريحة عن كل شىء و يتحرر الرأسماليون المختبئون داخل الدولة و الحزب كما فعلت امم اشتراكية كثيرة ، و لكن من الواضح ان رد فعل الحزب الشيوعى الصينى كان ردا دفاعيا اتجاه الهجمة النيوليبرالية ، بالاضافة الى الانتفاع من احتياج الغرب الشديد للتوسع الانتاجى لانقاذ نفسه. على اية حال يتسم الحكم الصينى بالواقعية و عدم القفز فوق الوقائع و لكن يجب ان يتم الاعداد للظروف التى ستهىء و تسرع من عملية بناء الاشتراكية ، و الظروف هى ، موضوعية خارجية : انحدار النظام الرأسمالى العالمى و سقوط الولايات المتحدة كقوة مهيمنة و التحرر الكامل من سيطرة الدولار. و ذاتية خارجية: التحالف المتكافىء مع الامم الاخرى بناء على المنفعة المتبادلة بدون فرض سيطرة مادية او ايديولوجية ، و نرى ان الصين تؤدى اداءا حسنا فى ذلك النطاق منذ مدة ، فقد اقر دينج شاو بينج ان الصين حتى عند خروجها من نطاق العالم الثالث ستستمر فى اداء واجبها و ولاءها اتجاه ذلك العالم و الجنوب العالمى Global south.كما اقر شى جين بينج بأن القوة و الثروة لدى امة معينة لا تعطى الحق لأمة ما للسيطرة على الامم الاضعف بل تضع على كاهلها مسئولية تنمية تلك الامم و مساعدتها. و موضوعية داخلية ، تتمثل فى تطور قوى الانتاج لدرجة تنافس و تسبق الغرب و التركيز على تطور مكافىء للعلاقات الانتاجية ايضا و ايجاد طرق اخرى لتثبيت و تحقيق النمو غير الاستثمار الاجنبى ، و سيطرة الدولة على التكنولوجيا بشكل كامل و استقطاب الغرب عبر ذلك (بالفعل تم التعاقد مثلا على توصيل شبكات ال 5G فى البلدان الاوروبية على الرغم من تعنت الولايات المتحدة و تدخلها فى شئون الغير ، و مع العلم  ان شركة هواوى الصينية ليست ملكا للدولة و لكنها ملك للموظفين العاملين بالشركة). و ذاتية داخلية ، و تمثل تلك الظروف جانبا خطيرا للغاية ، حيث يجب التركيز على هدم اى محاولة لصعود طبقة رأسمالية بشكل واضح و دائم و تحكمها فى الدولة ، فمن سمات الدولة البرجوازية انها  ظاهرة و فعالة و لكن تقف ورائها و تحركها الطبقة البرجوازية ، و لكن فى حالة الصين فالعكس هو الصحيح ؛ اى ان صعود بعض الرأسماليين ظاهريا هو نتاج تحكم الدولة و قراراتها و خطتها طويلة الامد. و لكن يجب ان تأخذ السلطة الحزبية اجراءات عدة لمنع هؤلاء من زيادة نفوذهم باى شكل من الاشكال. كما يجب ان يسعى الحزب لتثبيت المبادىء الاشتراكية و محاولة تطبيقها بشكل متزايد. و يجب زيادة نسبة العمال و الفلاحين فى الحزب كما كان فى العهد السابق (اشتراكية الثلاثة عقود) و يتناسب ذلك مع اهمية رجوع مفهوم البروليتاريا و الصراع الطبقى الى الساحة الصينية ، فنزوع الفكر الصينى فى الثمانينات و ما تلاها الى الاهتمام بالشعب و بالاغلبية الصينية و دعم القوى الانتاجية الاكثر تقدما ، قد ادى دوره فى تلك المرحلة التاريخية و لكن مع الاقتراب نحو الاشتراكية يجب ان تعود تلك المفاهيم الثورية مرة اخرى. و اخيرا يجب ان تعى سلطة الحزب ان اى محاولة لمحاربة الفساد و التأكيد على المبادىء الاشتراكية لن تنجح بشكل كامل ان لم يتم دعمها بتنظيم جماهيرى ديموقراطى قوى يُؤَمِن تلك المنجزات.
بعد ان تولى شى جين بينج قيادة الصين  نرى انه هناك صياغات فكرية و عملية متعددة تحاول الامساك بعلاقة الصين بالعالم فى الفترة القادمة ؛ حيث ان من الواضح ان الصين ستقود العالم فى السنوات الاتية. و بالتالى يجب رسم صورة للعولمة الصينية ؛ تلك الصورة ستختلف بل و ستتناقض بالضرورة مع العولمة الامريكية ، فمنذ الثمانينات اقر دينج شاو بينج ان التواصل مع العالم سيكون بناء على مبدأ المنفعة المتبادلة و الحوار. اما شى جين بينج فقد أكد على مفهوم " a community of shared future" ذلك المفهوم يعنى تأسيس العالم بناء على المساواة و السلام و الحوار ((Zhao Xiaochun, 27 تاريخ الصين يدعم قيام تلك الصورة من العولمة الخالية من العنف و القتل و القاء القنابل على الابرياء  فمعظم الحروب التى خاضتها الصين قد خاضتها على ارضها او على ارض مجاورة ضد الولايات المتحدة و حلفائها كما تخلو صورة العولمة الصينية من السيطرة و الهيمنة و دوائر التأثير ..الخ (ص.30). و تتخذ الصين الان خطوات مادية كبيرة فى مد شبكة العولمة تلك عن طريق مشروعات مثل طريق الحرير الجديدة و مبادرة الحزام و الطريق و بناء بنية تحتية تربط اسيا بأوروبا.كما اهتمت الصين بتوسيع شبكات التواصل و تطويرها و ادخال العديد من دول العالم الثالث فى العالم الرقمى (Mckinsey Global institute, 17,18 ) بالاضافة الى التعاون مع اوروبا و افريقيا. ذلك التعاون الذى يقل فيه حدة السيطرة احادية الجانب unilateral . و السخاء الصينى فى ازمة كورونا يثبت ذلك.
سيخلق صعود الصين و قيادتها للعالم مناخا سياسيا و اقتصاديا جديدا فى العالم ، و بالتالى يجب على كل الحركات التقدمية فى امم العالم المحيطية و التابعة ان تحاول استكمال ثورتها "الوطنية الديموقراطية" اى التحرر من التبعية و الديكتاتورية الناتجة عن التبعية للنظام الغربى النيوليبرالى و قيادة عملية تنمية شاملة و موسعة فى تلك البلدان تضع فى الحسبان مصلحة الطبقات الشعبية فى المقدمة.
و يجب ان نعلم ان الصين لا تنوى ابدا قيام صراع بينها و بين الولايات المتحدة على طريقة الحرب الباردة ، فالصين تنوى قيادة العالم بهدوء و ببطىء و سلام ، و تلك العملية ستطول بالطبع ، لانه حتى بعد سقوط الولايات المتحدة كقوة مهيمنة ستستمر الاخيرة فى كونها متقدمة عسكريا و ممتلكة لاخطر الوسائل المضادة للسلام.


المراجع
اولا باللغة العربية :
جاد، محمد (محرر)2018 ، ملاك مصر: قصة صعود الرأسمالية المصرية ، القاهرة : دار المرايا.
ماركس، كارل ، مساهمة فى نقد الاقتصاد السياسى ، ترجمة د.راشد البراوى ، دار النهضة العربية.
هارفى، ديفيد 2020 ، السياسات المناهضة للرأسمالية فى زمن الكوفيد-19 ، ترجمة علاء بريك هنيدى ، مجلة أوان الالكترونية.
مراجع باللغة الانجليزية :
Amin, Samir, 2014, Capitalism in the age of Globalization: the management of contemporary society, Zed Books: London and NY.

Deng Xiaoping, 1984, Build Socialism with Chinese Characteristics, Foreign language press: Beijing.

Garrick, John and Bennett, 2018 Yan Chang, "Xi Jinping  Thought": Realisation of the Chinese dream of national rejuvenation?, china perspectives.

Naughton, Barry ,2017, Is China Socialist?, Journal of Economic perspectives, vol.31, No.1, 3-24.

Mckinsey Global institute, 2017, China's Role in the next phase of Globalization, Discussion paper, McKinsey and Company.

Minqi Li, 2008, The Rise of China and the Demise of the Capitalist World-Economy, Pluto Press: London.

Peters, Michael A., 2017, the Chinese Dream: Xi Jinping thought on socialism with Chinese characteristics for a new era.

The world bank, Final consumption expenditure (percentage of GDP)-China.

Therborn, Goran, 1978, what does the ruling class do when it rules? : state apparatuses and state power under Feudalism, capitalism and socialism, NLP: London.

Xi Jinping, 2014, the Governance Of China, Foreign language press: Beijing.

Zhao, Xiaochun, 2018, In Pursuit of a community of shared Future: China's Global Activism in perspective, china Quarterly of international strategic studies, vol.4, No.1, 23-27.




تعليقات