"جورج جاكسون الثوري الأسود" / والتر رودني. 1970. ترجمة : كريبسو ديالو





بالنسبة لأغلب القراء حول هذا العالم، الذين يتضورون جوعاً من أجل استقاء معلوماتهم من وكالات الأنباء الإمريكية، اسم جورج جاكسون بالنسبة لهم إما غير مألوف أو مجرد اسم. او يصدقون الرواية الإعلامية التي نشرتها سلطات الولايات المتحدة ،وتدعي إن جورج جاكسون كان مجرماً خطيراً محبوساً في أقسي السجون في أميركا لكن لديه القدرة الاجرامية على قتل جميع الحراس المدججين بالسلاح في سجن سوليداد. انه قتل وهو يحاول الهرب، تلفيق التّهم الجاهزة بحق القياديين والنشطاء البارزين أحد الأساليب المتبعة للصيغ الرسمية التي تتبعها الولايات المتحدة لكل شيء، من خليج الخنازير في كوبا إلى خليج تونكين في فييتنام، لها سمة مشتركة تتمثل في الوقوف ضد الحقيقة. (جورج جاكسون) سجن ظاهرياً لسرقته 70 دولاراً وحُكم عليه بالسجن لمدة سنة واحدة لأنه كان أسود البشرة، وأبقي في السجن لسنوات تحت أكثر الظروف إهانة للإنسانية لأنه اكتشف أن السواد لا ينبغي أن يكون شارة خنوع بل يمكن أن يكون راية لنضال ثوري لا هوادة فيه. وقد قُتل لأنه كان يفعل الكثير لينقل هذا الموقف الى رفقائه السجناء. "جورج جاكسون" سجيناً سياسياً ومناضلاً أسود من أجل الحرية لقد مات على يد السلطة التي تدعي انها قلعة الديمقراطية والحريات.

جورج جاكسون باحثاً نظرياً اسود ضليعاً بالأفكار الثورية، قتل في سجون الرجل الأبيض، هنا يجب ان تضح لنا نقطة واحدة ، منذ ايام العبودية وإلى الآن تعتبر الولايات المتحدة الاميركية سجنا كبيرا يقتل بداخله السجناء السياسيين المنحدرين من أفريقيا دون مسائلة، الحياة السوداء رخيصة،  وما يتبقى الأن هو تجاوز رواية الأعلام الأمريكي وفهم أهم العناصر المرتبطة بحياة جورج جاكسون وموته.

عندما قُتل جورج جاكسون في آب/أغسطس من هذا العام، كان في ال 29 من عمره امضي 11 عاما خلف القبضان، قضي 7 سنوات منهم في سجن منفرد.بعد أن وجدت إدارة السجن في زنزانته أكثر من تسعة وتسعين كتاباً مهرباً من بينها قصيدة "عدو الشمس" للشاعر الفلسطيني سميح القاسم. جورج جاكسون كان "لومبنبروليتري اسود" من ضمن الفئات التي كان يطلق عليها "البروليتاريا الرثة" لم يكن جزءًا من القوة المنتجة المنتظمة للعمال والفلاحين. نظرًا لانعزاله عن نظام الإنتاج ، دائما كانت تنظر لهم الاحزاب الاشتراكية في الولايات المتحدة الأمريكية بازدراء وكانت لا تعتمد عليهم لاتخاذ خطوات ثورية منظمة..هذه الفئة الطبقية كانت من الفلاحين الذين هجروا الريف اثناء الحرب الأهلية في امريكا، وفدوا على المدن فتكدسوا في اكواخ الصفيح ومنهم من حاول ان يتسرب إلى الموانيء والمدن الصناعية مثل ديترويت ثم اصبحوا هناك البروليتاريا الدنيا التي تعيش علي الفتات.

ومع ذلك فإن جورج جاكسون، مثله كمثل مالكولم إكس الذي سبقه، ثقف نفسه خلف قضبان السجن إلى الحد الذي جعل رؤيته الثورية للواقع التاريخي المعاصر للسود ترعب هيكل السلطة في الولايات المتحدة وتتاخذ قرار بالتصفية الجسدية له.  وقد كتب جاكسون بداخل السجن كتابين وهما: Soledad Brother ، وكتاب Blood in my Eye، وبالإضافة العديد من الكتابات التي تقدم نظرة ثاقبة مثيرة للاهتمام إلى الإمكانات الثورية للكتلة السوداء "الومبنبروليترية" في "جيتوهات" الولايات المتحدة الأمريكية من اشهر اقتباساته حول هذه الجزئية : " في وقت مبكر من تاريخ التصنيع، صاغ العمال شعار الحق في العمل. حشود من السود في الولايات المتحدة الأمريكية لايزالوا الي يومنا هذا محرومون من هذا الحق الأساسي،هم يعيشون كعمال عرضيين، وآخر من يوظفون وأول من يفصلون. ولا يجوز لنا أن نستبعد الخط الفاصل بين العاطلين عن العمل والومبنبروليترين من اجل تنظيمهم بين الصفوف الثورية" .

وبالفعل نجحت المنشورات التي كان يكتبها بداخل الزنزانة في تجنيد عدد كبير من الأطفال والشباب السود الذين ينامون في المراحيض العامة ومحطات الحافلات في طليعة حزب الفهود السود. ثلاثة وثلاثون مليون اسود في الولايات المتحدة كان يراهم البعض غير مناسبين في الحراك الثوري وهم أكثر الناس اضطهادا وتهديدا فيما يتعلق بالبقاء. إن عظمة جورج جاكسون تتلخص في أنه خدم كمتحدث ديناميكي عن الأكثر بؤساً بين المظلومين في الولايات المتحدة الامريكية.

أيضا خطب جورج جاكسون حولت السجن من ساحة حرب بين العصابات الي خلق خط تضامني بين المساجين وشن حرب من اجل الكرامة والحرية. في كتابه Soledad Brother ، يكشف جورج جاكسون بشكل مؤثر عن طبيعة هذا الصراع كيف تطور على مدى السنوات القليلة الماضية. ففي السابع والعشرين من فبراير/شباط من هذا العام، أعلن السجناء السود و المكسيكيون عن تشكيل تحالف في سجن سان كوينتين من أجل تنظيم احتجاجات سلمية تطالب بتحسين ظروف معيشة السجناء وإدانة شروط العمل شبه الإلزامي في السجون والخدمات الطبية السيئة وتجاوزات الحراس، هذا المستوى من تعبئة السجناء غير البيض كان يثير تخوفا من ادارة السجن ومجموعة القوة البيضاء "النازيين الجدد" بداخل السجن. مع وجود سلطة بيضاء إلى جانب النازيين، واجه السود والمكسكيين الذبح والحرق. كان المستهدف جورج جاكسون الذي وجد مقتول بداخل غرفته ثم نشرت اجهزة الإعلام الأمريكية ان تم اغتياله بسبب محاولته في الهرب. انتهجت الإدارة الأميركية ومكتب التحقيقات الفدرالية الـFBI حزمة من الآليات السرّية ضمن مشروع لمكافحة التمرّد في ظل صعودٍ غير مسبوق للتيّارات اليسارية والتقدمية في السجون أغلبية السجناء البيض رفضوا تأييد النازيين او شجبوهم. لذلك، حتى بين جدران السجن، كان اول مبدأ يجب احترامه هو الوحدة في الصراع. فبمجرد أن يتخذ الأكثر اضطهاداً المبادرة، يصبح بوسعهم أن يفوزوا بالحلفاء.

يوما بعد يوم تداعيات الاحتجاجات انتشرت في باقي سجون الولايات المتحدة الأمريكية.

أولا، خلقت كوادر ثورية من بالتيمور إلى تكساس. المساجين كانوا يكتبون الشعر والمقالات والرسائل التي تجرّد أمريكا الرأسمالية البيضاء من ملابسها رافعين شعار انعتاق الأقلّيات والتحرّر الطبقي وإنهاء التمييز العنصري. لا يكون هذا الانعتاق متاحًا إلا إذا تمكّنت الأقليات العرقية من إدارة شؤونها بنفسها، خارج سيطرة الدولة ومنظومة السلطة الهرمية وذلك بتأسيس شبكة من التضامن والتكافل الاجتماعي وبنية تحتية متكاملة للنضال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

ثانيا، هذا الحراك كشف للمجتمع الافروامريكي ان المثقفين السود اصحاب الاسقف المنخفضة، لا حيلة لهم، ايضا صدقوا مقولة جاكسون : "في كتب علم الاجتماع  يعلموا الاطفال السود ابناء الطبقي الوسطي في المدارس الامريكية ان اخوانهم من السود المعذبون في الارض دون مأكل وملبس ومأوي معادين للمجتمع ويوسمونا بالمجرمين، في حين أن المجرمين هم في الواقع من يحكمون أمريكا"...ادركوا الآن الحاجة إلى التحالف مع قوى الشوارع العاطلة عن العمل، وسكان الغيتو، والسجناء ظلما من الاقليات في طليعتهم تنظيم الفهود السود الذي قدّم مشروعًا رياديًّا لا في جذريّته فحسب بل كذلك في مقارعته سلطة رأس المال والطبقة البيضاء الحاكمة وفي تقديمه مفهومًا مختلفًا للديمقراطية وطرحًا بديلًا لطريقة الحكم والإدارة الذاتية. الملخص في برنامج النقاط العشر الذي صيغ مع انطلاقة التنظيم الرؤية التحرّرية التي يتبنّاها والمنادية بالخبز والحرية والسكن اللائق والتشغيل وخلق جهاز تعليم مستقل وإنهاء وحشية الشرطة والإفراج عن المعتقلين ظلما.

ثالثا، استدعت شجاعة السجناء السود استجابة من أمريكا البيضاء. مجموعة صغيرة من الثوار البيض اتخذوا موقف إيجابي فقد نظم حزب Weather Underground العديد من المسيرات لادانة مقتل جاكسون ، وأيد الحزب الشيوعي مطالبة السجناء السود وحزب الفهود السود بالتحقيق في جريمة القتل. وعلى نحو أكثر عمومية، انزعجت الاحزاب الليبرالية الأمريكية من هذه الاستجابة الشعبية. لإن الليبراليين الأمريكان لا يحبون أبداً أن يقال لهم إن المجتمع الرأسمالي الأبيض أكثر فساداً من أن يتم إصلاحه. وحتى الصحافة الرأسمالية الراسخة خرجت بفرضيات من ظروف السجن، ومؤخراً نجحت المذابح الفاشية للسجناء السود في سجن أتيكا في إخراج السيناتور إدموند موسكي بالصراخ الكافي.

رابعا،جهود السجناء السود و جورج جاكسون في أمريكا شكلت تداعيات دولية. لقد تم التنديد بالتهم الموجهة ضد قادة الفهود السود وضد أنجيلا ديفيز في العديد من أنحاء العالم. وقد شُكلت لجان للدفاع والتضامن في أماكن عديدة في هافانا وليبزيغ. أعلنت منظمة OPAAl يوم 18 آب/أغسطس يوما للتضامن الدولي مع الأمريكيين من أصل أفريقي ؛ ومعظم دعايتهم لهذا الغرض انتهت بنداء لإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين.

جورج جاكسون في كتاباته كان يتنبأ بموته اي لحظه لانه كان يدرك تمام الإدراك ماذا يعني السعي إلى تعزيز الوعي الاشتراكي والإنساني داخل بطن الوحش الإمبريالي الأبيض...من بعده لم يتوقف النضال، الي هذه اللحظة يقود «الفهود السود» في السجون نضالًا شرسًا من خلال المشاركة في تنظيم إضرابات عن الطعام للمطالبة بوضع حد للعنف والاغتصاب المستشري داخل السجون واحتجاجًا على ممارسة الفصل العنصري. في أميركا، يتحتّم تقديس الإجراءات، أما العدالة فتفصيل ثانوي بل وترف لا يحظى به الكثير من السّود والمكسكيون. صحيح أن نظام الفصل العنصري الذي عززته قوانين جيم كرو سقط إلا أن إرثه وإرث نظام العبودية الذي سبقه ما زال يتجسد بأوجه قد تكون أقل بشاعة وفظاظة ولكن العنصرية فيها جليّة والظلم متجذر.

تعليقات