كيف يستغل اليمين المتطرف جائحة كورونا. بقلم / كريبسو ديالو



منذ عدة ايام إلي اللحظة التي انهيت فيها كتابة هذا المقال، يتظاهر المئات من الامريكان، بعضهم سيرا على الأقدام وبعضهم من خلال السيارات، في كونكورد عاصمة ولاية نيوهامبشر، في كل من تكساس وأنابوليس أيضًا في كولومبوس (أوهايو) وسان دييغو (كاليفورنيا) وكذلك في ولايات إنديانا ونيفادا وويسكونسن، في حشد يضم محتجين مسلحين ومقنعين يرتدون بدلات شبيهة بالبدلات العسكرية عليها إشارات ال kkk  (كو كلوكس كلان)، وآخرين يضعون قبعات تحمل شعارا مؤيدا لترامب (MAGA) ،ويتشاركوا في رفع العلم الكونفدرالي المعروف رمزيته العنصرية (كان علم جيش الجنوب الذي كان يدعم العبودية والفصل العنصري الصارم وتطوير هوية ثقافية وسياسية مميزة للبيض إبان الحرب الأهلية الأميركية، منذ حقبتي الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الي وقتنا هذا، أصبح هذا معروف شعبيًا كراية لدعاة الفصل العنصري الذين يعارضون حركة الحقوق المدنية المتنامية للأميركيين الأفارقة) والعلم الأمريكي، التظاهرة عبارة عن رسالة من هؤلاء الي حكام الولايات مفادها أن تمديد إجراءات الحجر المنزلي غير ضروري، بالاضافة إلى رفع لافتات تهاجم الصين علي اساس انها المتسبب في انتشار الوباء الي الولايات المتحدة الأمريكية وضد الدكتور أنطونى فاوتشى، خبير الأوبئة والعضو الرئيسي في فرقة عمل إدارة مكافحة الفيروسات التاجية التابعة لإدارة البيت الابيض، بسبب مهاجمته بشكل علني خطة ترامب الاقتصادية، لتخفيف إجراءات الإغلاق العمومي. وهذه الاحتجاجات كانت تجري في ظل غياب شبه كامل لالتزام المتظاهرين بإرشادات الوقاية والتباعد الإجتماعي.


برغم أن المتظاهرين قد انتهكوا قواعد الإغلاق الخاصة بالبقاء في المنزل وعدم التجمع، فقد أشاد ترامب بهذه الاحتجاجات، كما هنأ ترامب حاكمي تكساس وفيرمونت الجمهوريَين على "السماح باستئناف بعض الأنشطة يوم الاثنين".


يجدر الإشارة إلي نقطتين مهمين من وراء هذا الحدث :

1- استغل دونالد ترامب هذه التظاهرات المدبرة من القوي التي سوف اكشف اتجهاها السياسي في النقطة التالية، لانه بحاجة ماسة إلى لإلقاء اللوم على إخفاقاته ، التي أدت إلى انتشار الفيروس وتصدع في الاقتصاد وافقار الالاف من ابناء الطبقة العاملة والشرائح المتدنية من الطبقي الوسطي. بسبب غياب مركزية ووحدة اتخاذ القرار والممارسات البيروقراطية في قبوله والعمل به، وعدم إعطاء الأهمية اللازمة للوباء في البداية، لكن المفاجأة الكبرى التي أدهشت دول وشعوب العالم بإن الولايات المتحدة الأمريكية ، الدولة الأكثر ثراءً ، والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية والعلمية على مستوى العالم، والتي تؤوي وادي السليكون وأرقى الجامعات في العالم، غير قادرة على إجراء أدنى قدر ممكن من الاختبارات التي من شأنها أن تجعل إدارة الوباء ممكنا. معظم المستشفيات لم يكن لديها خطة واضحة لعزل وعلاج مرضى الفيروس التاجي.ظهرت جلية في النقص الحاد في كوادرها الطبية، وعدم توفر أجهزة التنفس والأجهزة الأخرى التي تستخدم في التشخيص والعلاج ، والنقص الهائل في الكمامات والقفازات الطبية والملابس الواقية، وعجز عن استيعاب أعداد المصابين المتزايدة، هناك تقارير كانت تفيد بأن أماكن العمل تفتقر حتى إلى أكثر منتجات النظافة الأساسية لمكافحة تفشي المرض. في حين الصين المتهمة من الولايات المتحدة الأمريكية بتصدير الفيروس الي العالم  أعتمدت على اكتفائها الذاتي، حيث إنها تمكنت من اكتشاف خطورة الفيروس مبكرا، وأقدمت على أكبر عملية طبية في تاريخ البشرية؛ فقد انتفضت وفرضت حجرا صحيا على منطقة " هوني " التي يقطنها 60 مليون نسمة، وخاصة مدينة "ووهان" مركز الفيروس البالغ عدد سكانها 11 مليون، وامتد الحجر الصحي وشمل مدنها بدرجات متفاوتة، وعملت بسرعة على استدعاء وتوجيه جميع الفرق الطبية المتخصصة في الأوبئة والإسعاف من جميع أنحاء البلاد إلى "خوبي " وبصورة خاصة إلى مدينة "ووهان"، وبنت 20 مستشفى، كان أحدها  تم تشييدها في 10 أيام، واعتمدت على نفسها في التقنية والمعدات الطبية والأدوية، فهي أكبر منتج في العالم للكمادات والقفازات الطبية، والأدوية، والمعدات الطبية باختلاف أنواعها، والتقنية الطبية الخاصة بالتنفس التي لا غنى عنها في غرف العناية الحثيثة وتعتبر أساسية في علاج المصابين بكرونا، أضف إلى ذلك كون إدارة الدولة الصينية قائمة على مركزية صنع القرار ووحدته، حيث ان قيادات الحزب الشيوعي تتخذ القرار ويعمم ويطبق في كافة أرجاء البلاد، أو في مناطق معينة بسرعة دون الرجوع إلى إجراءات بيروقراطية تؤخر أو تعرقل تنفيذه، وكذلك وعي الشعب الصيني وتعاونه، وتطبيقه للقرارات التي اتخذتها الدولة في محاربة الفيروس. منظمة الصحة العالمية أعتمدت بشكل كبير علي الأبحاث الطبية التي تجريها المعامل العلمية هناك حول طبيعة الفيروس وتطوره، واليوم الصين يدعم جميع أنحاء العالم حتي الدول التي كانت تكن لهم العداء السياسي، بكافة الأجهزة الطبية والأدوات الوقائية في مواجهة الفيروس.

2- هذه التظاهرة لم تكن عفوية بل نظمت من قبل اليمين المتطرف وتحالفه مع المحافظين، والجمهوريين، وجماعات ومنظمات ضغط مختلفة، التي تضرب جذورها في عمق الثقافة والتاريخ الأمريكي، ساهمت في انتخاب ترامب، ثم ساعد ترامب في تقوية هذا اليمين ، ليدخل المرحلة التي أطلق عليها  "البديل الأمريكي"؛ من خلال استغلال نظرية المؤامرة الخارجية والعنصرية ضد الأجانب، وعدم الثقة في المؤسسات الفيدرالية، هذه القوي تلعب دورا رئيسيا في تشكيل سياسات الولايات المتحدة ليس فقط داخل المجتمع الامريكي بل على كافة صعد السياسة الخارجية التي تمارسها الولايات المتحدة على الساحة الدولية، اليوم ترامب يستخدهم من أجل استمرار تطبيق إجراءات بهدف حماية الشركات الكبرى، ولكن ليس الطبقة العاملة أو غير المستقرة. وهذه القوي أيضا انتابها القلق بعد أن اكتسب اتباع بيرني ساندرز وألكساندريا كورتيز ، شعبية قوية بين أوساط الشباب والطبقة العاملة عندما نشروا بيان وقالوا فيه ان جميع فئات الشعب الأمريكي من حقه البقاء بالمنزل ويستحقون الاستمرار في تلقي الأجور خلال هذه الفترة. إنها مهزلة أن تطالب الحكومة بالعزل الاجتماعي مع الإبقاء على تشغيل المصانع والشركات. بيرني كان يؤيد التوقف التام عن العمل، باستثناءات قليلة للشركات المخصصة لإنتاج وتوزيع الغذاء، والدواء، والموارد الأخرى الضرورية للتعامل مع الأزمة الراهنة. الكارثة الكبري أيضا ان العمال المنخرطون في هذا العمل هم الأكثر عرضة للفيروس لأنهم يفتقرون للاحتياجات الطبية الوقائية.

ليس علي نطاق الولايات المتحدة الأمريكية يستغل اليمين أزمة كورونا، بلا فا حول العالم القوي المتطرفة والمرتبطة بالفكر والايديولوجية الدينية توظف الكورونا لأهدافها السياسية، في المانيا الجماعات المتطرفة توجه انتقادات للحكومة وتتهمها بعدم حماية الألمان بالقدر الكافي.لانها تزعم بأن المهاجرين ينقلون الفيروس. وتسود وسط جماعة "مواطني الرايخ" اليمينية المتطرفة نظريات علي شاكلة أن كورونا سلاح كيميائي بيولوجي تنشره الصين في أوروبا لهدم الاقتصاد وارساء الشيوعية !!!، في بريطانيا "النازيين الجدد" يروجون على نطاق واسع بأنّ اليهود يقفون وراء الأزمة؛ لأنهم المستفيد الأول من الأزمة الاقتصادية التي تترتب على أزمة كورونا، انطلاقاً من امتلاكهم البنوك وجهات الإقراض.

في البرازيل اتت احتجاجات اليمين بعد أقل من يوم على إعلان الرئيس البرازيلي "بولسونارو"إقالة وزير الصحة، الذي كان يعزز إجراءات العزل. قام المتظاهرون وعلي رأسهم "بولسونارو" الذي شارك بموكبه، بإعاقة حركة المرور في شوارع ريو دي جانيرو وساو باولو والعاصمة برازيليا، كانوا يطلقوا شعارات تهاجم وزارة الصحة، وهتافات تطالب حكام الولايات إلى الاستقالة بسبب الإجراءات التي أجبرت الي غلق الكنائس ومعظم الأعمال على الإغلاق لأسابيع كان البعض ممسك لافتات مكتوب عليها يجب عزل احياء الفقراء لان الوباء منتشر بداخلها بسبب جهل وعدم نظافة السكان.

 

في الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا بعد ما بدأ الناس وبالأخص الشباب مع جائحة الكورونا تقرأ Virology أو microbiology بدأت تستنج بإن كل هذه الفيروسات ليس جنداً من جنود الله أرسله كعقاب للبشرية بل إنها  كانت متواجدة منذ قرون، تصيب بشكل أساسي الحياة البرية، كالخفافيش والجمال في آسيا وافريقيا. في مرحلة ما، تطورت واكتسبت القدرة على إصابة البشر أيضا، لهذا تحسست جماعات الاسلام السياسي الانتهازية من الاخوان والسلفيين الخطر  وسعوا توظيف الوباء لتنفيذ أدبياتهم الرجعية، وربطوا ظهور الوباء بالعقاب الإلهي للغرب وللصين وابتلاء وامتحان للمسلمين. الآلة الدعاية الإخوانية ومتفرعاتها، دعوا الي تنظيم مظاهرات ضد الفيروس بالتكبير والتهليل في الشوارع، وشحن الناس ضد اغلاق الجوامع والغاء الصلاة، في حين أنهم غاصوا في مياه الصمت حين اتخذت السلطات التركية الإجراء نفسه، بعدما قالت إدارة الشؤون الدينية التركية، إن الدولة علقّت صلاة الجماعة في المساجد إلى أن ينحسر خطر فيروس كورونا. وكذلك الموقف القطري المشابه، هذه الواقعة، تظهر بشكل قوي انتهازية هذه الجماعات للدين من أجل تمرير اجنداتهم السياسية ضاربة بعرض الحائط سلامة الشعوب.

في إيران قبل ظهور فيروس كورونا خرج رجال الدين وادعوا أن من أفدح الأمور التي تسببت بانتشار هذا الوباء في أوروبا هو تقنين (زواج المثليين). وفي بدايات ظهوره قال مرجع ديني إيراني، إن فيروس كورونا "متناغم مع الرحمة الإلهية، وإذا ما ألحق ضررا بالمجتمع، فإن الضرر سيكون منخفضا للغاية، وخيره كثير جدا، عمد مختصون في "الطب الإسلامي" على ترويج الاعشاب بزعم أنها تقضي على فيروس كورونا المستجد، حتي تفشي المرض وأظهر مواطن الضعف الحكومية، والسياسات التضليلية الذي يمارسه النظام الإسلامي منذ أعوام طويلة بحق الشعب الإيراني، من حيث التصريحات المتضاربة حول جاهزية الدولة الطبية، وقدرتها على مكافحة الجائحة، وإحصائيات المصابين والوفيات التي تتناقض مع ما يذهب اليه خبراء ومختصون ومسؤولون في وزارة الصحة.
 لم يحرك "علي خامنئي"  المرشد الأعلى ساكناً واكتفى بترديد إحصائيات وتطمينات المسؤولين في القطاع الحكومي، إلى أن أعلن  عن إطلاق صندوق جديد لجمع التبرعات لمساعدة المتضررين من فيروس كورونا في البلاد، رداً على  المعارضين الذين طالبوه بتوظيف "إمبراطوريته المالية" في خدمة الضحايا، الصندوق كان من ضمن الصناديق الدينية المخصصة للتبرعات تحت خانة مخصصة للأشخاص الذين يريدون "التكفير عن ذنوبهم"، مثل "الصلوات التي لم يؤدوها، أو أشهر رمضان التي لم يصوموها، أو الإعفاء من صيام شهر رمضان هذا العام". هذه الصناديق تقع تحت تصرف كبار رجال الدين في طهران ولا يتم الإعلان عن أي تقارير عن الأموال التي تم جمعها حتى الآن وطريقة إنفاقها.

في اخر جزء في المقال احب أكد أن القوي اليمينية بكافة نماذجها تشكل هجمة ضد الحداثة والتقدم، جرى تشكيلها بفعل محيطهما الثقافي ومصالحها السياسية وليس مصالح الشعوب كما يدعوا. ومثال علي هذا مشهد المرأة التي كانت مشاركة في احتجاجات اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت رافعة لافتة مكتوب عليها "التباعد الاجتماعي = الشيوعية" هذا المشهد الذي ينم علي جهل وتخلف شديد يذكرني عندما تظاهر عشرات الآلاف من الاشخاص الذين جاؤوا من جميع انحاء الولايات المتحدة عام 2009 في واشنطن لادانة سياسة الانفاق التي كان يتبعها اوباما، وهم يرفعون لافتات تتهم الادارة الديموقراطية بقيادة البلاد الى الاشتراكية!!!. وعندما اندلعت ثورة ديسمبر 2019 في السودان، رفعَ المتظاهرون شعار «حرية - سلام - عدالة ... الثورة خيار الشعب» والكثير من الشعارات التي تندد بالفقر وتفشي البطالة وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وانعدام حرية التعبير وتضييق الخناق على المُعارضين والتنكيل العرقي والديني واضطهاد الأقليات إذا كانت دينية أو جنسية، حينها ادعت قوي اليمين بأن الثورة من تدبير الشيوعيين العلمانيين.


اليمين بكافة أشكاله وأنواعه علي مر التاريخ يمثل القوي المناهضة لأي ثورة أو تقدم من خلال المناورات التي يستخدموها في محاولة منهم لخلق حالة من الفوضي والارتباك من أجل إنتاج أنفسهم من اول وجديد أو بسط نفوذهم خوفاً من القوي التقدمية اليسارية.

تعليقات